وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ لَا الْمُعَايَنَةِ.
كَمَا تَقُولُ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلْتُ بِفُلَانٍ كَذَا؟
وَعَلَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ يَرِدُ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْخَبَرُ دَلِيلًا عَلَى خَبَرٍ آخَرَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالسَّمْعِ؟
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مُجْمَلًا مِمَّا تُشِيرُ إِلَيْهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَالْآتِي:
أَوَّلًا: إِنَّ تَسَاؤُلَ ابْنِ كَثِيرٍ هَلْ يُتَلَقَّى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ فَقَطْ؟ أَوْ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُدْرَكَةِ بِالْحِسِّ، لَا مَحَلَّ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَّا النَّقْلُ فَقَطْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [١٨ \ ٥١] ، أَيْ: آدَمُ. فَلَمْ نَعْلَمْ كَيْفَ خُلِقَ، وَلَا كَيْفَ سَارَتِ الرُّوحُ فِي جِسْمِ جَمَادٍ صَلْصَالٍ، فَتَحَوَّلَ إِلَى جِسْمٍ حَسَّاسٍ نَامٍ نَاطِقٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ: إِنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ لَا الْمُعَايَنَةِ، فَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ.
وَيُجِيبُ الْقُرْآنُ عَلَى السُّؤَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [٤١ \ ٩ - ١٣] ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ هُنَا الْكُفَّارَ قَطْعًا ; لِقَوْلِهِ: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ.
وَخَاطَبَهُمْ بِأُمُورٍ مُفَصَّلَةٍ لَمْ يَشْهَدُوهَا قَطْعًا مِنْ خَلْقِ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ، وَمِنْ تَقْدِيرِ أَقْوَاتِهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَمِنَ اسْتِوَائِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ.
وَمِنْ قَوْلِهِ لَهَا وَلِلْأَرْضِ: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا.
وَمِنْ قَوْلِهِمَا: أَتَيْنَا طَائِعِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute