للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقِصَاصِ فِي الْأَنْفُسِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَالْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ.

وَأَمَّا حُكْمُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمْ فِي الْأَطْرَافِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقِصَاصِ فِي الْأَنْفُسِ ; فَكُلُّ شَخْصَيْنِ يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، فَإِنَّهُ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ، فَيُقْطَعُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ، وَالذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ، وَيُقْطَعُ النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ، كَالْعَبْدِ بِالْحُرِّ، وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ.

وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ النَّاقِصَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْكَامِلِ فِي الْجِرَاحِ، فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ عَبْدٍ جَرَحَ حُرًّا، وَلَا مِنْ كَافِرٍ جَرَحَ مُسْلِمًا، وَهُوَ مُرَادُ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ بِقَوْلِهِ فِي «مُخْتَصَرِهِ» : وَالْجُرْحُ كَالنَّفْسِ فِي الْفِعْلِ، وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، إِلَّا نَاقِصًا جَرَحَ كَامِلًا، يَعْنِي فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لَهُ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبُ الْقِصَاصِ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ، وَمَنْ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ، لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ، فَلَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ صَاحِبُ «الْمُغْنِي» ، وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْبَدَلِ، فَلَا يُقْطَعُ الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، وَلَا النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ، وَلَا الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَلَا الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ، وَلَا الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَلَا الْعَبْدُ بِالْحُرِّ.

وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ ; لِأَنَّ التَّكَافُؤَ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَطْرَافِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالشَّلَّاءِ، وَلَا الْكَامِلَةَ بِالنَّاقِصَةِ، فَكَذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ طَرَفُ الرَّجُلِ بِطَرَفِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ طَرَفُهَا بِطَرَفِهِ، كَمَا لَا تُؤْخَذُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى.

وَأُجِيبَ مِنْ قِبَلِ الْجُمْهُورِ، بِأَنَّ مَنْ يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، يَجْرِي فِي الطَّرَفِ بَيْنَهُمَا، كَالْحُرَّيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ يَبْطُلُ بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِيهِ مُعْتَبَرٌ ; بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِمُسْتَأْمَنٍ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّاقِصَةَ بِالْكَامِلَةِ ; لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ وُجِدَتْ، وَمَعَهَا زِيَادَةٌ، فَوَجَبَ أَخْذُهَا بِهَا إِذَا رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّ، كَمَا تُؤْخَذُ نَاقِصَةُ الْأَصَابِعِ بِكَامِلَةِ الْأَصَابِعِ.

وَأَمَّا الْيَسَارُ وَالْيَمِينُ، فَيُجْرَيَانِ مَجْرَى النَّفْسِ لِاخْتِلَافِ مَحَلَّيْهِمَا، وَلِهَذَا اسْتَوَى بَدَلُهُمَا، فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ نَاقِصَةً عَنْهَا شَرْعًا، وَأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا لَيْسَتْ كَمَا ذَكَرَ الْمُخَالِفُ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» .

<<  <  ج: ص:  >  >>