للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْعِرْضِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَالِ لِقِيَامِ الْحَيَاةِ وَوَفْرَةِ الْأَمْنِ، وَصِيَانَةِ الْمُجْتَمَعِ، وَجُعِلَتْ فِيهَا حُدُودٌ لِحِفْظِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقِسْمٌ لَمْ تَظْهَرْ حِكْمَتُهُ بِهَذَا الظُّهُورِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ حِكْمَةٍ: كَالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْوُضُوءِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَالْغُسْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَقِسْمٌ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ أَوَّلًا، وَلِحِكْمَةٍ ثَانِيًا: كَتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [٢ \ ١٤٣] .

وَفِي التَّحَوُّلِ عَنْهَا حِكْمَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [٢ \ ١٥٠] .

وَالْمُسْلِمُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ ظَهَرَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ أَوْ لَمْ تَظْهَرْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ وَالِانْقِيَادُ، كَمَا قَالَ عُمَرُ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ لِلْحَجَرِ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.

فَقَبَّلَهُ امْتِثَالًا وَاقْتِدَاءً بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مَا جَاءَ مِنْ: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ لِسَانٌ وَعَيْنَانِ يَشْهَدُ لِمَنْ قَبَّلَهُ ; لِأَنَّ عُمَرَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ لِيُقَبِّلَهُ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَقَدْ تَنْكَشِفُ الْأُمُورُ عَنْ حِكْمَةٍ لَا نَعْلَمُهَا كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، إِذْ خَرَقَ السَّفِينَةَ، وَقَتَلَ الْغُلَامَ، وَأَقَامَ الْجِدَارَ، وَكُلُّهَا أَعْمَالٌ لَمْ يَعْلَمْ لَهَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِكْمَةً، فَلَمَّا أَبْدَاهَا لَهُ الْخَضِرُ عَلِمَ مَدَى حِكْمَتِهَا.

وَهَكَذَا نَحْنُ الْيَوْمَ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى هَذَا الْمَوْقِفَ بِقَوْلِهِ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [٣ \ ٧] .

وَقَدْ جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَا يُلْزِمُ الْبَشَرَ بِالْعَجْزِ وَيَدْفَعُهُمْ إِلَى التَّسْلِيمِ، فِي قَوْلِهِ: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ.

فَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأُمُورِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ أَعْلَمُ بِهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>