للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: أُقْسِمُ: إِثْبَاتٌ مُسْتَأْنَفٌ.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْوَجْهَ، وَإِنْ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَجِيهٍ عِنْدِي ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْإِثْبَاتَ الْمُسْتَأْنَفَ بَعْدَ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ «أُقْسِمُ» وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا حَرْفُ نَفْيٍ أَيْضًا، وَوَجْهُهُ أَنَّ إِنْشَاءَ الْقَسَمِ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ. فَهُوَ نَفْيٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَظَّمُ بِالْقَسَمِ، بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ عَظِيمٌ أَقْسَمَ بِهِ أَوْ لَا. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَصَاحِبُ رُوحِ الْمَعَانِي، وَلَا يَخْلُو عِنْدِي مِنْ نَظَرٍ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّامَ لَامُ الِابْتِدَاءِ، أُشْبِعَتْ فَتْحَتُهَا. وَالْعَرَبُ رُبَّمَا أَشْبَعَتِ الْفَتْحَةَ بِأَلِفٍ، وَالْكَسْرَةَ بِيَاءٍ، وَالضَّمَّةَ بِوَاوٍ. وَمِثَالُهُ فِي الْفَتْحَةِ قَوْلُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ الْحَارِثِ:

وَتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ ... كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيَّا

فَالْأَصْلُ: كَأَنْ لَمْ تَرَ، وَلَكِنَّ الْفَتْحَةَ أُشْبِعَتْ.

وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:

إِذَا الْعَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ ... وَلَا تَرَضَّاهَا وَلَا تَمَلَّقِ

وَقَوْلُ عَنْتَرَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ:

يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ ... زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْعَتِيقِ الْمُكْدَمِ

فَالْأَصْلُ يَنْبَعُ، يَعْنِي الْعَرَقَ، يَنْبَعُ مِنَ الذِّفْرَى: مِنْ نَاقَتِهِ، فَأُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ فَصَارَتْ يَنْبَاعُ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْإِشْبَاعُ مِنْ ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.

ثُمَّ سَاقَ الشَّوَاهِدَ عَلَى الْإِشْبَاعِ بِالضَّمَّةِ وَالْكَسْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَشْهَدُ لِهَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ: «لَأُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ» بِلَامِ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْبَزِّيِّ وَالْحَسَنِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. مُلَخَّصًا.

فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدَّمَ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ: صِلَةٌ، وَنَفْيُ الْكَلَامِ قَبْلَهَا، وَتَأْكِيدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>