الْجُمُعَةِ هُوَ يَوْمُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ خُلِقَ، وَفِيهِ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، وَفِيهِ أُسْكِنَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ.
كَمَا قِيلَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ آدَمَ، وَيَوْمُ الْإِثْنَيْنِ يَوْمُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَيْ: فِيهِ وُلِدَ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَصَلَ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ، وَفِيهِ تُوُفِّيَ.
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ إِيجَادِ الْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ وَيَوْمَ أَحْدَاثِهِ كُلِّهَا، إِيجَادًا مِنَ الْعَدَمِ، وَإِنْعَامًا عَلَيْهِ بِسُكْنَى الْجَنَّةِ، وَتَوَاجُدِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَتَلَقِّي التَّوْبَةِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ ; أَيْ: يَوْمَ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ حِسًّا وَمَعْنًى، فَنَاسَبَ أَنْ يُذَكِّرَ الْإِمَامَ بِقِرَاءَتِهِ سُورَةَ " السَّجْدَةِ " فِي فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ; لِمَا فِيهَا مِنْ قِصَّةِ خَلْقِ آدَمَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [٣٢ \ ٧ - ٩] .
وَفِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [٣٢ \ ١٣] ، مِمَّا يَبُثُّ الْخَوْفَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، إِذْ لَا يُعْلَمُ مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ هُوَ، فَيَجْعَلُهُ أَشَدَّ حِرْصًا عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَأَشَدَّ خَوْفًا مِنَ الشَّرِّ.
ثُمَّ حَذَّرَ مِنْ نِسْيَانِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [٣٢ \ ١٤] .
وَهَكَذَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، يَرْجِعُ الْمُسْلِمُ إِلَى أَصْلِ وُجُودِهِ وَيَسْتَحْضِرُ قِصَّةَ الْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ يَأْتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِقِصَّتِهِ هُوَ مُنْذُ بَدَأَ خَلْقُهُ: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ، وَيُذَكِّرُهُ بِالْهَدْيِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَيُرَغِّبُهُ فِي شُكْرِ نِعَمِهِ عَلَيْهِ، وَيُحَذِّرُهُ مِنْ جُحُودِهَا وَكُفْرَانِهَا.
وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ مُنْتَهَاهُ عَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا [٧٦ \ ٤ - ٥] .
فَإِذَا قَرَعَ سَمْعَهُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ خَلْقِهِ وَيَوْمِ مَبْعَثِهِ، حَيْثُ فِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، فَكَأَنَّهُ يَنْظُرُ وَيُشَاهِدُ أَوَّلَ وُجُودِهِ وَآخِرَ مَآلِهِ ; فَلَا يُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ. وَقَدْ عَلِمَ مَبْدَأَ خَلْقِهِ وَلَا يُقَصِّرُ فِي وَاجِبٍ، وَقَدْ عَلِمَ مُنْتَهَاهُ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحِكْمَةِ كَمَا تَرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute