وَنَحْوِهِ، مَصْلُوبًا، وَقِيلَ: يُقْتَلُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَقِيلَ: يُنْزَلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: يَتْرَكُ حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ زَمَنًا يَحْصُلُ فِيهِ اشْتِهَارُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ صَلْبَهُ رَدْعٌ لِغَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالنَّفْيِ فِيهِ أَيْضًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنْ يُطْلَبُوا حَتَّى يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، فَيُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ، أَوْ يَهْرَبُوا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ أَنْ يُنْفَوْا مِنْ بَلَدِهِمْ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، أَوْ يُخْرِجُهُمُ السُّلْطَانُ، أَوْ نَائِبُهُ، مِنْ عُمَالَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، إِنَّهُمْ يُنْفَوْنَ، وَلَا يُخْرَجُونَ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي الْآيَةِ السِّجْنُ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ مِنْ سِعَةِ الدُّنْيَا إِلَى ضِيقِ السِّجْنِ، فَصَارَ الْمَسْجُونُ كَأَنَّهُ مَنْفِيٌّ مِنَ الْأَرْضِ، إِلَّا مِنْ مَوْضِعِ اسْتِقْرَارِهِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ بَعْضِ الْمَسْجُونِينَ فِي ذَلِكَ: [الطَّوِيلُ]
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ ... أَهْلِهَا فَلَسْنَا مِنَ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَا
إِذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِهِ.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ، أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنْ يُخْرَجَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَيُسْجَنَ فِيهِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَلَهُ اتِّجَاهٌ ; لِأَنَّ التَّغْرِيبَ عَنِ الْأَوْطَانِ نَوْعٌ مِنَ الْعُقُوبَةِ، كَمَا يُفْعَلُ بِالزَّانِي الْبِكْرِ، وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ إِنَّهُ لَا يُرَادُ نَفْيُهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ أَوْطَانُهُمُ الَّتِي تَشُقُّ عَلَيْهِمْ مُفَارَقَتُهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَسَائِلُ مِنْ أَحْكَامِ الْمُحَارِبِينَ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ يُثْبِتُونَ حُكْمَ الْمُحَارِبَةِ فِي الْأَمْصَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute