وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْنَى، أَنَّ مَنِ انْتَهَكَ حُرْمَةَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ بِقَتْلِهَا، فَهُوَ كَمَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ; لِأَنَّ انْتِهَاكَ حُرْمَةَ الْأَنْفُسِ، سَوَاءٌ فِي الْحُرْمَةِ وَالْإِثْمِ، وَمَنْ تَرَكَ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتَحْيَاهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ، فَهُوَ كَمَنْ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، لِاسْتِوَاءِ الْأَنْفُسِ فِي ذَلِكَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، أَيْ عِنْدِ الْمَقْتُولِ إِذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي حَيَاةِ أَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ هُوَ، وَمَنْ أَحْيَاهَا وَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَةٍ، فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا عِنْدَ الْمُسْتَنْقَذِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ النَّفْسَ الْمُؤْمِنَةَ مُتَعَمِّدًا جَعَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ جَهَنَّمَ، وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا، وَلَوْ قَتْلَ النَّاسَ جَمِيعًا لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ فَقَدْ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا يَلْزَمُهُ مِنَ الْقِصَاصِ مَا يَلْزَمُ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ: وَمَنْ أَحْيَاهَا، أَيْ عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ لَهُ قَتْلُهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: هُوَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْمَقْدِرَةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَا فَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ خُصَمَاؤُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ وَتَرَ الْجَمِيعَ، وَمَنْ أَحْيَاهَا وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ شُكْرُهُ، وَقِيلَ: كَانَ هَذَا مُخْتَصًّا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ وَاحِدٍ، فَقَدِ اسْتَحَلَّ الْجَمِيعَ ; لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الشَّرْعَ، وَمَنْ حَرَّمَ دَمَ مُسْلِمٍ، فَكَأَنَّمَا حَرَّمَ دِمَاءَ النَّاسِ جَمِيعًا، ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمْ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ الْأَخِيرَ، وَعَزَاهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَحْيَاهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِحْيَاؤُهُ عِبَارَةٌ عَنِ التَّرْكِ، وَالْإِنْقَاذِ مِنْ هَلَكَةٍ، وَإِلَّا فَالْإِحْيَاءُ حَقِيقَةً الَّذِي هُوَ الِاخْتِرَاعُ، إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْإِحْيَاءُ، كَقَوْلِ نَمْرُودَ لَعَنَهُ اللَّهُ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [٢ \ ٢٥٨] ، فَسَمَّى التَّرْكَ إِحْيَاءً.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا الْآيَةَ، اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، فَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْحَرُورِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute