يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا "، فَإِنْ كَانَ يَشْغَلُ عُمُرَهُ فِي الْخَيْرِ فَقَدْ رَبِحَ، وَأَعْتَقَ نَفْسَهُ وَإِلَّا فَقَدْ خَسِرَ وَأَهْلَكَهَا ".
وَيُشِيرُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [٩ \ ١١١] .
فَصَحَّ أَنَّ الدُّنْيَا سُوقٌ، وَالسِّلْعَةُ فِيهَا عَمَلُ الْإِنْسَانِ، وَالْمُعَامَلَةُ فِيهِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، فَظَهَرَ الرَّبْطُ وَالْمُنَاسَبَةُ مَعَ الْمَقْسَمِ بِهِ، وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَأَمَّا الْمُرَادُ بِالرَّسُولِ الْكَرِيمِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [٨١ \ ٢٢] .
فَصَاحِبُكُمْ هُنَا: هُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي صَحِبَهُمْ مُنْذُ وِلَادَتِهِ وَذُو الْقُوَّةِ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ: هُوَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي إِسْنَادِ الْقَوْلِ إِلَيْهِ مَا قَدْ يُثِيرُ شُبْهَةً أَنَّ الْقَوْلَ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ، بِإِيرَادِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ: وَإِنَّ فِي نَفْسِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَرُدُّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ، وَيُثْبِتُ تِلْكَ الْحَقِيقَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَوْلُ رَسُولٍ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَأْتِي بِقَوْلٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنَّمَا الْقَوْلُ الَّذِي جَاءَ بِهِ هُوَ مَا أُرْسِلَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، إِلَى مَا أُرْسِلَ إِلَيْهِ بِهِ.
تَنْبِيهٌ فِي وَصْفِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ.
نَصٌّ فِي تَمْكِينِهِ مِنْ حِفْظِ مَا أُرْسِلَ بِهِ، وَصِيَانَتِهِ عَنِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، لِأَنَّهُ «مَكِينٌ» ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ مَا يُخِلُّ بِرِسَالَتِهِ، وَلِأَنَّهُ «مُطَاعٍ ثَمَّ» . وَالْمُطَاعُ لَا يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْأَمِينُ لَا يَخُونُ وَلَا يُبَدِّلُ، فَكَانَ الْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مَصُونًا مِنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ أَحَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute