وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي تَوْقِيتِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى غِيَابِ الشَّفَقِ، وَهُوَ الْحُمْرَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي بَعْدَهُ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي بَيَانِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [٣٠ \ ١٧ - ١٨] ، وَرَجَّحَ أَنَّ الشَّفَقَ: الْحُمْرَةُ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ قَوْلًا، قَالَ: وَزَعَمَ الْحُكَمَاءُ أَنَّ الْبَيَاضَ لَا يَغِيبُ أَصْلًا.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: صَعِدْتُ مَنَارَةَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَرَمَقْتُ الْبَيَاضَ، فَرَأَيْتُهُ يَتَرَدَّدُ مِنْ أُفُقٍ إِلَى أُفُقٍ، وَلَمْ أَرَهُ يَغِيبُ.
وَقَالَ ابْنُ أُوَيْسٍ: رَأَيْتُهُ يَتَمَادَى إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَلَمَّا لَمْ يَتَجَدَّدْ وَقْتُهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ. اه.
فَهُوَ بِهَذَا يُرَجِّحُ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ فِي مَعْنَى الشَّفَقِ، وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ فِيهَا مَقَالٌ.
فَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا: «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ» .
وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الشَّوْكَانِيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ يَقُولُ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمُ: ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعُبَادَةُ. وَمِنَ الْأَئِمَّةِ: الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْخَلِيلُ وَالْفَرَّاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَافَقَا الْجُمْهُورَ.
وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
أَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَفِيهِ نَظَرٌ، أَيْ: مِنْ جِهَةِ عَدَمِ غِيَابِ الْبَيَاضِ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْفَلَكِ أَنَّ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ مِقْدَارُ دَرَجَتَيْنِ، وَالدَّرَجَةُ تُعَادِلُ أَرْبَعَ دَقَائِقَ، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَسِيطٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ، هُوَ الْجَمْعُ وَالضَّمُّ لِلشَّيْءِ الْكَثِيرِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ