وَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى بِالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى: أَيْ: ظَهَرَ وَوَضَحَ بِدُونِ ضَمِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [٩٢ \ ١ - ٢] ، أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ غِشَاوَةِ اللَّيْلِ يَكُونُ بِتَجَلِّي النَّهَارِ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى عِظَمَ آيَةِ النَّهَارِ، وَعِظَمَ آيَةِ اللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِمَا إِلَّا اللَّهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [٢٨ \ ٧١ - ٧٢] .
وَقَوْلُهُ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا، قَالُوا: يَغْشَى الشَّمْسَ فَيُحْجَبُ ضِيَاؤُهَا، وَالْكَلَامُ عَلَى اللَّيْلِ، كَالْكَلَامِ عَلَى النَّهَارِ، مِنْ حَيْثُ الْآيَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى.
وَتَقَدَّمَتِ النُّصُوصُ الْكَافِيَةُ، وَسَيَأْتِي الْإِقْسَامُ بِاللَّيْلِ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [٩٢ \ ١] ، أَيْ: يَغْشَى الْكَوْنَ كُلَّهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ [٨٤ \ ١٧] ، أَيْ: جَمَعَ وَاشْتَمَلَ بِظَلَامِهِ.
وَالضَّمِيرُ فِي «يَغْشَاهَا» : رَاجِعٌ إِلَى الشَّمْسِ، وَعَلَيْهِ قِيلَ: إِنَّ الْإِقْسَامَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ رَاجِعٌ كُلُّهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي حَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فِي ضُحَاهَا ثُمَّ تَجَلِّيهَا، ثُمَّ تُلُوُّ الْقَمَرِ لَهَا، ثُمَّ بِغَشَيَانِ اللَّيْلِ إِيَّاهَا، وَهُنَا سُؤَالٌ: كَيْفَ يَغْشَى اللَّيْلُ الشَّمْسَ مَعَ أَنَّ اللَّيْلَ وَهُوَ الظُّلْمَةُ نَتِيجَةٌ لِغُرُوبِ الشَّمْسِ عَنِ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا اللَّيْلُ؟
فَقِيلَ: إِنَّ اللَّيْلَ يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْسِ، فَتَتَكَوَّنُ الظُّلْمَةُ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ. وَهُوَ أَنَّ الشَّمْسَ ظَاهِرَةٌ وَضَوْءُهَا مُنْتَشِرٌ، وَلَكِنْ فِي قِسْمِ الْأَرْضِ الْمُقَابِلِ لِلظُّلْمَةِ الْمَوْجُودَةِ، كَمَا أَنَّ الظُّلْمَةَ تَكُونُ فِي الْقِسْمِ الْمُقَابِلِ لِلنَّهَارِ، وَهَكَذَا.
وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي «يَغْشَاهَا» وَ «جَلَّاهَا» رَاجِعٌ إِلَى الْأَرْضِ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ مُغَايِرَةً فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، قِيلَ: «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَجِيءَ بِهَا بَدَلًا عَنْ «مَنْ» الَّتِي لِأُولِي الْعِلْمِ ; لِإِشْعَارِهَا مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ، أَيْ: «وَالسَّمَاءِ» وَالْقَادِرِ الَّذِي «بَنَاهَا» ، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهَا فِي «الْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ» ، وَالْحَكِيمِ الْعَلِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute