للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلَاحِهِ ... يُهْدَمْ وَمَنْ لَمْ يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ

قَوْمٌ يَئِدُونَ بَنَاتَهُمْ، وَيَحْرِمُونَ مِنَ الْمِيرَاثِ نِسَاءَهُمْ، وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا، فَقَلَبَ مَقَايِيسَهُمْ، وَعَدَلَ مَفَاهِيمَهُمْ، فَأَلَانَ قُلُوبَهُمْ وَرَقَّقَ طِبَاعَهُمْ، فَلَانُوا مَعَ هَذَا الضَّعِيفِ وَحَفِظُوا حَقَّهُ.

وَحَقِيقَةُ هَذَا التَّشْرِيعِ الْإِلَهِيِّ الْحَكِيمِ مُنْذُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا، تَأْتِي فَوْقَ كُلِّ مَا تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ آمَالُ الْحَضَارَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا، مِمَّا يُحَقِّقُ كَمَالَ التَّكَامُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِأَبْهَى مَعَانِيهِ، الْمُنَوِّهِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [٤ \ ٩] ، فَجَعَلَ كَافِلَ الْيَتِيمِ الْيَوْمَ، إِنَّمَا يَعْمَلُ حَتَّى فِيمَا بَعْدُ لَوْ تَرَكَ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا، وَعَبَّرَ هُنَا عَنِ الْأَيْتَامِ بِلَازِمِهِمْ، وَهُوَ الضَّعْفُ إِبْرَازًا لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ إِلَى الْإِحْسَانِ، بِسَبَبِ ضَعْفِهِ فَيَكُونُونَ مَوْضِعَ خَوْفِهِمْ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ، فَلْيُعَامِلُوا الْأَيْتَامَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، كَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يُعَامِلَ غَيْرُهُمْ أَيْتَامَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ.

وَهَكَذَا تَضَعُ الْآيَةُ أَمَامَنَا تَكَافُلًا اجْتِمَاعِيًّا فِي كَفَالَةِ الْيَتِيمِ، بَلْ إِنَّ الْيَتِيمَ نَفْسَهُ، فَإِنَّهُ يَتِيمُ الْيَوْمِ وَرَجُلُ الْغَدِ، فَكَمَا تُحْسِنُ إِلَيْهِ يُحْسِنُ هُوَ إِلَى أَيْتَامِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا كَانَ الْخَيْرُ بِالْخَيْرِ وَالْبَادِئُ أَكْرَمُ، وَإِنْ شَرًّا كَانَ بِمِثْلِهِ وَالْبَادِئُ أَظْلَمُ.

وَمَعَ هَذَا الْحَقِّ الْمُتَبَادَلِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَحُثُّ عَلَيْهِ وَيَعْنِي بِهِ، وَرَغَّبَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَأَجْزَلَ الْمَثُوبَةَ عَلَيْهِ، وَحَذَّرَ مِنَ الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ، وَشَدَّدَ الْعُقُوبَةَ فِيهِ.

وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ إِطَالَةٌ، وَلَكِنَّهُ وَفَاءٌ بِحَقِّ الْيَتِيمِ أَوَّلًا، وَتَأَثُّرٌ بِكَثْرَةِ مَا يُلَاقِيهِ الْيَتِيمُ ثَانِيًا.

تَنْبِيهٌ.

لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِسَاءَةِ إِلَى الْيَتِيمِ تَأْدِيبُهُ وَالْحَزْمُ مَعَهُ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَمَا قِيلَ:

قَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا ... فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ

وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ، قَالُوا: السَّائِلُ: الْفَقِيرُ وَالْمُحْتَاجُ، يَسْأَلُ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُ وَهُوَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى أَيْ: فَكَمَا أَغْنَاكَ اللَّهُ وَبِدُونِ سُؤَالٍُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>