للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ " وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ فِيهِ: " هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ظِلٌّ بَارِدٌ وَرَطْبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ " وَكَنَّى الرَّجُلُ الَّذِي مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قُلْتُ: اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ مَالِكُ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَيُكَنَّى أَبَا الْهَيْثَمِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ.

وَمِنْهَا: عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ بِالْفَرَقِ وَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، وَقَالَ: " إِنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: خِرْقَةٍ لَفَّ الرَّجُلُ بِهَا عَوْرَتَهُ، أَوْ كِسْرَةٍ سَدَّ بِهَا جَوْعَتَهُ، أَوْ جُحْرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ ".

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ مَا سَدَّ الْجُوعَ، وَسَتَرَ الْعَوْرَةَ مِنْ خَشِنِ الطَّعَامِ، لَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنِ النَّعِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ أَسْكَنَ آدَمَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [٢٠ \ ١١٩] .

فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ مَا يُسَدُّ بِهِ الْجُوعُ، وَمَا يُدْفَعُ بِهِ الْعَطَشُ، وَمَا يُسْكَنُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَيُسْتَرُ بِهِ عَوْرَتُهُ، لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْإِطْلَاقِ، لَا حِسَابَ عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا.

وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا بِسَنَدِهِ " أَنَّهُمْ كَانُوا جُلُوسًا فَطَلَعَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقُلْنَا:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاكَ طَيِّبَ النَّفْسِ؟

قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: خَاضَ النَّاسُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ ".

قَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَبِهَذَا، فَقَدْ ثَبَتَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَنَّ النَّعِيمَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ السُّؤَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>