للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْمُنْعَقِدَةِ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفُوتَ إِمْكَانُ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ فَيَحْنَثُ بِفَوَاتِهِ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَتْ بِطَلَاقٍ كَقَوْلِهِ عَلَى طَلَاقِهَا: «لَأَفْعَلَنَّ كَذَا» ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ أَمْ يَحْنَثُ؟ وَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى فَرْجٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يُمْنَعُ مِنَ الْوَطْءِ، لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَالطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ بِالْفِعْلِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَدُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ الْقَسَمُ بِمَخْلُوقٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ» ، وَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينٌ بِمَخْلُوقٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِالنَّصِّ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فِي مَنْعِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَوَقُّفِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يُخْرَجُ مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

الْأَوَّلُ: إِبْرَارُهَا بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.

الثَّانِي: الْكَفَّارَةُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ.

الثَّالِثُ: الِاسْتِثْنَاءُ بِنَحْوِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ حِلٌّ لِلْيَمِينِ لَا بَدَلَ مِنَ الْكَفَّارَةِ، كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَالِاتِّصَالُ بِالْيَمِينِ، فَلَا يُقْبَلُ الْفَصْلُ بِغَيْرِ ضَرُورِيٍّ كَالسُّعَالِ، وَالْعُطَاسِ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ جَوَازِ تَرَاخِي الِاسْتِثْنَاءِ.

فَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الْعَبْدَ يَلْزَمُهُ إِذَا قَالَ: «لَأَفْعَلَنَّ كَذَا» ، أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [١٨ \ ٢٣، ٢٤] ، فَإِنْ نَسِيَ الِاسْتِثْنَاءَ بِـ «إِنْ شَاءَ» ، وَتَذَكَّرَهُ وَلَوْ بَعْدَ فَصْلٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ ; لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مِنْ عُهْدَةِ عَدَمِ تَفْوِيضِ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ وَتَعْلِيقِهَا بِمَشِيئَتِهِ، لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُحِلُّ الْيَمِينَ الَّتِي مَضَتْ وَانْعَقَدَتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>