للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحِجَارَةِ فِي مَكَانِ مُعَسْكَرِهِ فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَوُقُوعَ الْجُثَثِ مُصَابَةً بِهَا، لَا يُمْنَعُ أَنْ تَتَعَفَّنَ ثُمَّ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا مَكْرُوبَ الْجَدَرِيِّ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

تَنْبِيهٌ آخَرُ

قَالُوا: إِنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْجَيْشِ نَصَارَى وَهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَكِتَابٍ، وَأَهْلُ مَكَّةَ وَثَنِيُّونَ لَا دِينَ لَهُمْ، وَالْكَعْبَةُ مُمْتَلِئَةٌ بِالْأَصْنَامِ، فَكَيْفَ أَهْلَكَ اللَّهُ النَّصَارَى أَصْحَابَ الدِّينِ وَلَمْ يُسَلِّطْهُمْ عَلَى الْوَثَنِيِّينَ؟

وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَةٍ.

مِنْهَا: أَنَّ الْجَيْشَ ظَالِمٌ بَاغٍ، وَالْبَغْيُ مَرْتَعُهُ وَخِيَمٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَظْلُومُ أَقَلَّ مِنَ الظَّالِمِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ الْحَدِيثُ «فِي نُصْرَةِ الْمَظْلُومِ، وَاسْتِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا» .

وَمِنْهَا: أَنَّ الْوَثَنِيَّةَ اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَغَزْوَ هَذَا الْجَيْشِ اعْتِدَاءٌ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِرْهَاصٌ لِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ وُلِدَ فِي هَذَا الْعَامِ نَفْسِهِ.

وَكُلُّهَا وَإِنْ كَانَتْ لَهَا وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ، إِلَّا أَنَّهُ يَبْدُو لِي وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي نَشْأَةِ الْبَيْتِ وَإِقَامَتِهِ، إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ رَفَعَ قَوَاعِدَهُ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ فِي رِحَابِهِ، وَكَانَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا لِلْعَاكِفِينَ فِيهِ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَإِنَّمَا الْوَثَنِيَّةُ طَارِئَةٌ عَلَيْهِ وَإِلَى أَمَدٍ قَصِيرٍ مَدَاهُ وَدَنَا مُنْتَهَاهُ لِدِينٍ جَدِيدٍ.

وَالْمَسِيحِيَّةُ بِنَفْسِهَا تَعْلَمُ ذَلِكَ وَتَنُصُّ عَلَيْهِ وَتُبَشِّرُ بِهِ، فَكَانَتْ مُعْتَدِيَةً عَلَى الْحَقَّيْنِ مَعًا، حَقِّ اللَّهِ فِي بَيْتِهِ، وَالَّذِي تَعْلَمُ حُرْمَتَهُ وَمَا لَهُ، وَحَقِّ الْعِبَادِ الَّذِينَ حَوْلَهُ.

وَكَانَتْ لَوْ سُلِّطَتْ عَلَيْهِ بِمَثَابَةِ الْمُنْتَصِرِ عَلَى مَبْدَأٍ صَحِيحٍ مَعَ فَسَادِهَا، مَبْدَأِ صِحَّةِ وَسَلَامَةِ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَوَضْعِهِ، الْبَيْتُ الَّذِي مِنْ خَصَائِصِهِ أَنْ يَكُونَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا.

فَكَيْفَ لَا يَأْمَنُ هُوَ نَفْسُهُ مِنْ غَزْوِ الْغُزَاةِ وَطُغْيَانِ الطُّغَاةِ، فَصَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى صِيَانَةً لِمَبْدَأِ وُجُودِهِ، وَحِفَاظًا عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ فِي الْأَرْضِ، وَيَكْفِي نِسْبَتُهُ لِلَّهِ «بَيْتُ اللَّهِ» .

وَقَدْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ إِذْ قَالَ لِأَبْرَهَةَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>