للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا: كُلُّ رَذِيلَةٍ مُنْكَرَةٍ، فَهِيَ إِذَنْ سِيَاجٌ لِلْإِنْسَانِ يَصُونُهُ عَنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ. وَهِيَ عَوْنٌ عَلَى كُلِّ شَدِيدَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [٢ \ ٤٥] فَجَعَلَهَا قَرِينَةَ الصَّبْرِ فِي التَّغَلُّبِ عَلَى الصِّعَابِ، وَهِيَ فِي الْآخِرَةِ نُورٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ الْآيَةَ [٥٧ \ ١٢] ، مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ» .

وَقَوْلُهُ: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ، قِيلَ: فِي الْمَاعُونِ الزَّكَاةُ لِقِلَّتِهَا، وَالْمَاعُونُ: الْقَلِيلُ، وَالْمَاعُونُ: الْمَالُ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ.

وَقِيلَ: هُوَ مَا يُعِينُ عَلَى أَيِّ عَمَلٍ، وَمِنْهُ الدَّلْوُ وَالْفَأْسُ وَالْإِبْرَةُ وَالْقِدْرُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ السَّهْوُ عَنِ الصَّلَاةِ يَحْمِلُ عَلَى مَنْعِ الْمَاعُونِ، فَإِنَّ مَنْ يَمْنَعُ الْمَاعُونَ وَهُوَ الْآلَةُ أَوِ الْإِنَاءُ يَقْضِي بِهِ الْحَاجَةَ ثُمَّ يُرَدُّ، كَمَا هُوَ بِدُونِ نُقْصَانٍ، فَلِأَنْ يَمْنَعَ الصَّدَقَةَ أَوِ الزَّكَاةَ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

وَمِنْ هُنَا: لَمْ يَكُنِ الْمُنَافِقُ لِيُزَكِّيَ مَالَهُ وَلَا يَتَصَدَّقَ عَلَى مُحْتَاجٍ، بَلْ وَلَا يُقْرِضَ آخَرَ قَرْضًا حَسَنًا. وَلِذَا نَجِدُ تَفَشِّي الرِّبَا فِي الْمُنَافِقِينَ أَشَدَّ وَأَكْثَرَ.

وَهُنَا يَأْتِي مَبْحَثَانِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: حُكْمُ الرِّيَاءِ وَمَا حَدَّهُ؟

وَالثَّانِي: حُكْمُ الْعَارِيَةِ.

أَمَّا الرِّيَاءُ: فَقِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِظْهَارُ الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ رُؤْيَةِ النَّاسِ لَهَا فَيُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ تَسْمِيَتُهُ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْخَفِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، فَإِنَّهُ أَخْفَى فِي نُفُوسِكُمْ مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» .

وَجَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [١٨ \ ١١٠] .

وَبَيَانُ الشِّرْكِ فِيهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِمَّا هُوَ أَصْلًا لِلَّهِ، كَالصَّلَاةِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ الْحَجِّ، وَلَكِنَّهُ يُظْهِرُهُ لِقَصْدِ أَنْ يَحْمَدَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>