للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِغْفَاءَةً، فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا إِمَّا قَالَ لَهُمْ، وَإِمَّا قَالُوا لَهُ: لِمَ ضَحِكْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ نَزَلَتْ عَلِيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، حَتَّى خَتَمَهَا، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: نَهَرَ أَعْطَانِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ الْكَوَاكِبِ يَخْتَلِجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» .

وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الْكَوْثَرَ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَوْلُهُ: «عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ» يُشْعِرُ بِأَنَّ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ مَوْجُودٌ.

وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.

وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْمَعْنَى، بِقَوْلِ الشَّاعِرِ الْكُمَيْتِ:

وَأَنْتَ كَثِيرٌ يَا ابْنَ مَرْوَانَ طَيِّبٌ ... وَكَانَ أَبُوكَ ابْنُ الْفَصَائِل

وَالَّذِي تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ النَّفْسُ أَنَّ الْكَوْثَرَ، هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، وَأَنَّ الْحَوْضَ أَوِ النَّهَرَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ.

وَقَدْ أَتَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى إِعْطَاءِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [١٥ \ ٨٧] .

وَفِي الْقَرِيبِ سُورَةُ الضُّحَى وَفِيهَا: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [٩٣ \ ٥] ، أَعْقَبَهَا بِنِعَمٍ جَلِيلَةٍ مِنْ شَرْحِ الصُّدُورِ، وَوَضْعِ الْوِزْرِ، وَرَفْعِ الذِّكْرِ، وَالْيُسْرِ بَعْدَ الْعُسْرِ.

وَبَعْدَهَا فِي سُورَةِ التِّينِ جَعَلَ بَلَدَهُ الْأَمِينَ، وَأَعْطَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ.

وَبَعْدَهَا سُورَةُ «اقْرَأْ» امْتَنَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ.ُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>