وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ بَيَانُ مَعْنَى مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [٤٥ \ ١٠] .
وَسَاقَ كُلَّ النُّصُوصِ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِتَمَامِهَا.
تَنْبِيهٌ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَانِ هُمَا:
أَوَّلًا: لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ فِي مَكَّةَ مُلَاطِفًا حَلِيمًا، فَكَيْفَ جَابَهَ عَمَّهُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ كَانَ يُلَاطِفُهُمْ مَا دَامَ يَطْمَعُ فِي إِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ فِي مَحَلِّهِ، كَمَا وَقَعَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يُلَاطِفُ أَبَاهُ: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ [١٩ \ ٤٤] . يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا [١٩ \ ٤٣] ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنْهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [٩ \ ١١٤] .
وَالسُّؤَالُ الثَّانِي: وَهُوَ مَجِيءُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَبَّ، بَعْدَ قَوْلِهِ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ، مَعَ أَنَّهَا كَافِيَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ إِنْشَاءً لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ أَوْ إِخْبَارًا بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَالْجَوَابُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا الْخَبَرَ، وَقَدْ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، أَوْ إِنْشَاءً وَقَدْ لَا يُنَفَّذُ كَقَوْلِهِ: قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [٨٠ \ ١٧] ، أَوْ يَحْمِلُ عَلَى الذَّمِّ فَقَطْ، وَالتَّقْبِيحِ فَجَاءَ «وَتَبَّ» لِبَيَانِ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ لِيَيْأَسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ إِسْلَامِهِ. وَتَنْقَطِعُ الْمُلَاطَفَةُ مَعَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقْعَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ أَنْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [٦ \ ١١٥] ، وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [١٠ \ ٣٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute