للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا حَرَامَهُ، وَخَالَفَ مُجَاهِدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجُمْهُورَ قَائِلًا: إِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [٥ \ ٩٥] ، كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ قَوْلًا، وَيَكُونُ فِيهَا قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ قَرِينَةً وَاضِحَةً دَالَّةً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَمِّدًا أَمْرًا لَا يَجُوزُ، أَمَّا النَّاسِي فَهُوَ غَيْرُ آثِمٍ إِجْمَاعًا، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [٥ \ ٩٥] ، كَمَا تَرَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، الْآيَةَ.

ظَاهِرُ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَشْمَلُ إِبَاحَةَ صَيْدِ الْبَحْرِ لِلْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا بَيَّنَهُ تَخْصِيصُهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِصَيْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ [٥ \ ٩٦] ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالِاصْطِيَادِ

فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي الْحَرَمِ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ صَيْدِ الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.

وَهَذَا الْإِجْمَاعُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ الْوَحْشِيِّ كَالظَّبْيِ، وَالْغَزَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الصَّيْدِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ مَعَ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَلَالٌ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمٌ أَمَامَهُمْ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا وَأَبُو قَتَادَةَ مَشْغُولٌ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَلَمْ يُؤْذُنُوهُ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنَّهُ أَبْصَرَهُ فَأَبْصَرَهُ فَأَسْرَجَ فَرَسَهُ ; ثُمَّ رَكِبَ وَنَسِيَ سَوْطَهُ وَرُمْحَهُ فَقَالَ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَغَضِبَ فَنَزَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>