للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْأَرْضِ، فَيُصَبُّ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ: يُغْتَفَلُ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ، أَيْ: فِي حَالَةِ غَفْلَتِهِ، ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَرَاءَهُ.

وَأَمَّا دَاخِلَةُ إِزَارِهِ: فَهُوَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يُفْضِي مِنْ مَأْزَرِهِ إِلَى جِلْدِهِ مَكَانَهُ، إِنَّمَا يَمُرُّ بِالطَّرَفِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ، حَتَّى يَشُدَّهُ بِذَلِكَ الطَّرَفِ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَكُونُ مِنْ دَاخِلٍ. اهـ.

وَمِمَّا يُرْشِدُ إِلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ تَغَيُّظُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ» مِمَّا يُبَيِّنُ شَنَاعَةَ هَذَا الْعَمَلِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ.

وَمِمَّا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مَنِ ابْتُلِيَ بِالْعَيْنِ، فَلْيُبَارِكْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مَا يُعْجِبُهُ لِئَلَّا يُصِيبَ أَحَدًا بِعَيْنِهِ، وَلِئَلَّا تَسْبِقَهُ عَيْنُهُ.

وَكَذَلِكَ مَنِ اتَّهَمَ أَحَدًا بِالْعَيْنِ، فَلْيُكَبِّرْ ثَلَاثًا عِنْدَ تَخَوُّفِهِ مِنْهُ. فَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ الْعَيْنَ بِذَلِكَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَقَدْ ذَكَرُوا لِلْحَسَدِ دَوَاءً كَذَلِكَ، أَيْ يُدَاوِي بِهِ الْحَاسِدُ نَفْسَهُ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ عَنَاءِ الْحَسَدِ الْمُتَوَقِّدِ فِي قَلْبِهِ الْمُنَغِّصِ عَلَيْهِ عَيْشَهُ الْجَالِبِ عَلَيْهِ حُزْنَهُ، وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فِي أَمْرَيْنِ. الْعِلْمُ ثُمَّ الْعَمَلُ.

وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّ النِّعْمَةَ الَّتِي يَرَاهَا عَلَى الْمَحْسُودِ، إِنَّمَا هِيَ عَطَاءٌ مِنَ اللَّهِ بِقَدَرٍ سَابِقٍ وَقَضَاءٍ لَازِمٍ، وَأَنَّ حَسَدَهُ إِيَّاهُ عَلَيْهَا لَا يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَيَعْلَمَ أَنَّ ضَرَرَ الْحَسَدِ يَعُودُ عَلَى الْحَاسِدِ وَحْدَهُ فِي دِينِهِ لِعَدَمِ رِضَائِهِ بِقَدَرِ اللَّهِ وَقِسْمَتِهِ لِعِبَادِهِ ; لِأَنَّهُ فِي حَسَدِهِ كَالْمُعْتَرِضِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [٤٣ \ ٣٢] ، وَفِي دُنْيَاهُ لِأَنَّهُ يُورِثُ السِّقَامَ وَالْأَحْزَانَ وَالْكَآبَةَ وَنَفْرَةَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَقْتَهُمْ إِيَّاهُ، وَمِنْ وَرَاءِ هَذَا وَذَاكَ الْعِقَابَ فِي الْآخِرَةِ.

أَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ مُجَاهَدَةُ نَفْسِهِ ضِدَّ نَوَازِعِ الْحَسَدِ، كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْأَسْبَابِ، فَإِذَا رَأَى ذَا نِعْمَةٍ فَازْدَرَتْهُ عَيْنُهُ، فَلْيُحَاوِلْ أَنْ يُقَدِّرَهُ وَيَخْدِمَهُ.

وَإِنْ رَاوَدَتْهُ نَفْسُهُ بِالْإِعْجَابِ بِنَفْسِهِ، رَدَّهَا إِلَى التَّوَاضُعِ وَإِظْهَارِ الْعَجْزِ وَالِافْتِقَارِ.

وَإِنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ، صَرَفَ ذَلِكَ إِلَى تَمَنِّي مِثْلِهَا لِنَفْسِهِ. وَفَضْلُ اللَّهِ عَظِيمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>