ثُمَّ تَتَرَسَّلُ السُّورَةُ فِي تَقْسِيمِ النَّاسِ إِلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ: مُؤْمِنِينَ، وَكَافِرِينَ، وَمُذَبْذَبِينَ بَيْنَ بَيْنَ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ.
ثُمَّ يَأْتِي النِّدَاءُ الصَّرِيحُ وَهُوَ أَوَّلُ نِدَاءٍ فِي الْمُصْحَفِ لِعُمُومِ النَّاسِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [٢ \ ٢١] ، وَيُقِيمُ الْبَرَاهِينَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَعَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [٢ \ ٢١ - ٢٢] .
وَبَعْدَ تَقْرِيرِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْعَقِيدَةُ، تَمْضِي السُّورَةُ فِي ذِكْرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ، فَتَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا وَعَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْجِهَادِ، وَقَلَّ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ إِلَّا وَلَهُ ذِكْرٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَيَأْتِي مَا بَعْدَهَا مُبَيِّنًا لِمَا أُجْمِلَ فِيهَا أَوْ لِمَا يُذْكَرُ ضِمْنَهَا.
وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْقُرْآنُ بِكَمَالِ الشَّرِيعَةِ وَتَمَامِ الدِّينِ.
وَلِمَا جَاءَ فِي وَصْفِ الْمُتَّقِينَ الْمُهْتَدِينَ فِي أَوَّلِ الْمُصْحَفِ، أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَمِنْهُ الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا فِيهِ مِنْ حِسَابٍ وَعِقَابٍ وَثَوَابٍ - أُمُورُ الْغَيْبِ تَسْتَلْزِمُ الْيَقِينَ - لِتُرَتِّبَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ ثَوَابًا أَوْ عِقَابًا.
وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ هُمَا نَتِيجَةُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.
وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ: هُمَا مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْتَثِلُ الْأَمْرَ رَجَاءَ الثَّوَابِ، وَيَكُفُّ عَنْ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ مَخَافَةَ الْعِقَابِ.
فَلَكَأَنَّ نَسَقَ الْمُصْحَفِ الشَّرِيفِ يُشِيرُ إِلَى ضَرُورَةِ مَا يَجِبُ الِانْتِبَاهُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ بَدَأَ بِالْحَمْدِ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ بِمَا أَنْعَمَ عَلَى الْإِنْسَانِ بِإِنْزَالِهِ، وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ صَاحِبِهِ بِهِ، ثُمَّ نَقَلَهُ مِنْ عَالَمِ الدُّنْيَا إِلَى عَالَمِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ الْأَعْظَمُ قَدْرًا وَخَطَرًا، ثُمَّ رَسَمَ لَهُ الطَّرِيقَ الَّذِي سَلَكَهُ الْمُهْتَدُونَ أُهْلُ الْإِنْعَامِ وَالرِّضَى، ثُمَّ أَوْقَفَهُ عَلَيْهِ لِيَسْلُكَ سَبِيلَهُمْ.
وَهَكَذَا إِلَى أَنْ جَاءَ بِهِ بَعْدَ كَمَالِ الْبَيَانِ وَالْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ، جَاءَ بِهِ إِلَى نِهَايَةِ هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَاسْتَوْقَفَهُ لِيَقُولَ لَهُ إِذَا اطْمَأْنَنْتَ لِهَذَا الدِّينِ، وَآمَنْتَ بِاللَّهِ رَبِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute