وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: وَيُبَاحُ أَخْذُ الْكُمْأَةِ مِنَ الْحَرَمِ، وَكَذَلِكَ الْفَقْعُ ; لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، فَأَشْبَهَ الثَّمَرَةَ، وَرَوَى حَنْبَلٌ قَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ الضَّغَابِيسُ وَالْعِشْرِقُ، وَمَا سَقَطَ مِنَ الشَّجَرِ، وَمَا أَنَبْتَ النَّاسُ.
وَاخْتُلِفَ فِي عُشْبِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ، هَلْ يَجُوزُ أَخْذُهُ لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ؟ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ، وَهُوَ كَجَزَاءِ الْمُحْرِمِ الْمُتَقَدِّمِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ الصَّوْمُ ; لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ مَحْضٌ مِنْ غَيْرِ مُحَرَّمٍ.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ، مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي جَزَاءِ صَيْدِ الْحَرَمِ نَصٌّ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَقَوْلُهُ هَذَا قَوِيٌّ جِدًّا.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ: بِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَضَوْا فِي حَمَامِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ بِشَاةٍ شَاةٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُمْ ; فَيَكُونُ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقِيَاسِهِ عَلَى صَيْدِ الْمُحْرِمِ، بِجَامِعِ أَنَّ الْكُلَّ صَيْدٌ مَمْنُوعٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا يَضْمَنُهُ الْمُحْرِمُ يَضْمَنُهُ مَنْ فِي الْحَرَمِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْئَانِ:
الْأَوَّلُ: مِنْهُمَا الْقَمْلُ، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي قَتْلِهِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ بِلَا خِلَافٍ.
وَالثَّانِي: الصَّيْدُ الْمَائِيُّ مُبَاحٌ فِي الْإِحْرَامِ بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِي اصْطِيَادِهِ مِنْ آبَارِ الْحَرَمِ وَعُيُونِهِ، وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» ; فَيَثْبُتُ حُرْمَةُ الصَّيْدِ لِحُرْمَةِ الْمَكَانِ، وَظَاهِرُ النَّصِّ شُمُولُ كُلِّ صَيْدٍ، وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ غَيْرُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الظِّبَاءَ، وَأَجَازَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ; مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَمْ يُحَرِّمْهُ، فَكَذَلِكَ الْحَرَمُ، وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي ذَلِكَ بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي شَجَرِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَخَلَاهُ، هَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَطَعَهُمَا ضَمَانٌ؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute