وَيَحِلُّ الْوَحْشِيُّ كَالْحِمَارِ.
وَأَمَّا الدُّبُّ: فَهُوَ سَبُعٌ ذُو نَابٍ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ كَانَ الدُّبُّ ذَا نَابٍ مُنِعَ أَكْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا نَابٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ أَكْلِ الضَّبُعِ: وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ كَالثَّعْلَبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ سَبُعٌ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلَا قَوْلَ فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» بِأَنَّ الضَّبُعَ صَيْدٌ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِهَا، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الضِّبَاعَ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَرَخَّصَ فِي أَكْلِهَا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي «السُّنَنِ الْكُبْرَى» : قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا يُبَاعُ لَحْمُ الضِّبَاعِ بِمَكَّةَ إِلَّا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ.
وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ: أَنَّ الضَّبُعَ مِنْ جُمْلَةِ السِّبَاعِ ; فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلَمْ يَخُصَّ سَبُعًا مِنْهَا عَنْ سَبُعٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَيْسَ حَدِيثُ الضَّبُعِ الَّذِي خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهَا مِمَّا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ النَّهْيِ ; لِأَنَّهُ حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ، وَلَيْسَ مَشْهُورًا بِنَقْلِ الْعِلْمِ، وَلَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ، رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُعَارِضُوا بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ. اهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَدَلِيلُ إِبَاحَةِ الضَّبُعِ خَاصٌّ، وَلَا يَتَعَارَضُ عَامٌّ وَخَاصٌّ ; لِأَنَّ الْخَاصَّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِ، فَيُخَصَّصُ عُمُومُهُ بِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْقُنْفُذُ: فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِتَحْرِيمِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَجَازَ أَكْلَهُ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَهُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْقُنْفُذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «هُوَ خَبِيثٌ مِنَ الْخَبَائِثِ» .
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ، بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَا تَحْرِيمَ إِلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةِ الْمَذْكُورَ فِي خَبَثِ الْقُنْفُذِ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُرْوَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ.
وَمِمَّنْ كَرِهَ أَكْلَ الْقُنْفُذِ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute