مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرْي ... نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ
قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُشَّافَ؟ ، وَسُئِلَ عَنِ الْخُطَّافِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: أَكْلُ الطَّيْرِ حَلَالٌ إِلَّا الْخُفَّاشَ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ لَا تَأْكُلُهَا الْعَرَبُ. اهـ، مِنْ «الْمُغْنِي» . وَالْخُشَّافُ هُوَ الْخُفَّاشُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَوَازَ أَكْلِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الطَّيْرِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْوَاطَ.
وَفِي الْبَبَّغَا، وَالطَّاوُسِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ: قَالَ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرُهُ: وَأَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ.
وَفِي الْعَنْدَلِيبِ، وَالْحُمْرَةِ لَهُمْ أَيْضًا وَجْهَانِ: وَالصَّحِيحُ إِبَاحَتُهُمَا، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ: يَحْرُمُ مُلَاعِبُ ظِلِّهِ، وَهُوَ طَائِرٌ يَسْبَحُ فِي الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ عَلَى طَائِرٍ، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ أَيْضًا: وَالْبُومُ حَرَامٌ كَالرَّخَمِ، قَالَ: وَالضُّوَعُ، بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الضُّوَعَ غَيْرُ الْبُومِ، قَالَ: لَكِنْ فِي «صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ» أَنَّ الضُّوَعَ طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ، وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: هُوَ ذَكَرُ الْبُومِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ فِي الضُّوَعِ قَوْلٌ لَزِمَ إِجْرَاؤُهُ فِي الْبُومِ ; لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَفْتَرِقَانِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ: ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: الْأَشْهَرُ أَنَّ الضُّوَعَ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ ; فَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْحُكْمِ.
وَأَمَّا حَشَرَاتُ الطَّيْرِ، كَالنَّحْلِ، وَالزَّنَابِيرِ، وَالذُّبَابِ، وَالْبَعُوضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَأَكْلُهَا حَرَامٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ طَبْعًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْجَلَّالَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ النَّجِسَ، وَأَصْلُهَا الَّتِي تَلْتَقِطُ الْجِلَّةَ بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ: وَهِيَ الْبَعْرُ، وَالْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: الَّتِي تَأْكُلُ النَّجَاسَاتِ مِنَ الطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ.
وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ: جَوَازُ أَكْلِ لَحْمِ الْجَلَّالَةِ مُطْلَقًا، أَمَّا لَبَنُهَا وَبَوْلُهَا فَنَجِسَانِ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ، مَا دَامَ النَّجِسُ بَاقِيًا فِي جَوْفِهَا، وَيَطْهُرُ لَبَنُهَا وَبَوْلُهَا عِنْدَهُ إِنْ أَمْسَكَتْ عَنْ أَكْلِ النَّجِسِ، وَعُلِفَتْ عَلَفًا طَاهِرًا مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهَا عَدَمُ بَقَاءِ شَيْءٍ فِي جَوْفِهَا مِنَ الْفَضَلَاتِ النَّجِسَةِ، وَكَرِهَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَحْمَ الْجَلَّالَةِ وَلَبَنَهَا، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَلْبَانِ الْجَلَّالَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute