قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» فِي «سُورَةِ سَبَإٍ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [٣٤ \ ٤٧] .
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ أَخْذِ عِوَضٍ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَلَى تَعْلِيمِ الْعَقَائِدِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.
وَيَعْتَضِدُ ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى نَحْوِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالرُّوَيَانِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: عَلَّمْتُ رَجُلًا الْقُرْآنَ، فَأَهْدَى لِي قَوْسًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنْ أَخَذْتَهَا أَخَذْتَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ» ، فَرَدَدْتُهَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ مُنْقَطِعٌ، أَيْ بَيْنَ عَطِيَّةَ الْكَلَاعِيِّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمِزِّيُّ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ عَطِيَّةَ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ رَاوِيَهُ عَنْ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ: شَامِيٌّ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ: وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أُبَيٍّ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ.
وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ لَهُ طُرُقًا، مِنْهَا: أَنَّ الَّذِي أَقْرَأَهُ أُبَيٌّ هُوَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ قَالَ: أَقْرَأَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْقُرْآنَ، فَأَهْدَيْتُ لَهُ قَوْسًا، فَغَدَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَلَّدَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقَلَّدْهَا مِنْ جَهَنَّمَ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَيْضًا: وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْبَزَّارِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أُبَيٍّ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِنَحْوِهِ أَيْضًا.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَقُلْتُ لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأَسْأَلَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ، وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» ، وَفِي إِسْنَادِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ الْمَوْصِليُّ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَثَّقَهُ وَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ.