فَحَاكَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ فَكُلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يُتْحِفُكَ بِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» اهـ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ ابْنِ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» وَالشَّوْكَانِيِّ فِي «نَيْلِ الْأَوْطَارِ» .
فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ وَنَحْوُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وَالْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَطَاءٌ.
وَكَرِهَ الزُّهْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ بِأَجْرٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: هَذِهِ الرُّغُفُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُعَلِّمُونَ مِنَ السُّحْتِ.
وَمِمَّنْ كَرِهَ أُجْرَةَ التَّعْلِيمِ مَعَ الشَّرْطِ: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، قَالَهُ فِي «الْمُغْنِي» ، وَقَالَ: إِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ أَخْذِ الْمُعَلِّمِ مَا أُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي أُجُورِ الْمُعَلِّمِينَ: أَبُو قِلَابَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِهَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ، وَمِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فِي ضَيْعَةٍ، وَمِنْ أَنْ يَسْتَدِينَ وَيَتَّجِرَ لَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ فَيَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِأَمَانَاتِ النَّاسِ، التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْعَهُ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ مَنْعِهِ لِلْكَرَاهَةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» .
وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ؟» ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ» ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا. فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟» قَالَ نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَكَذَا يُسَمِّيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ