للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: لَعَمْرُكَ مَعْنَاهُ: أُقْسِمُ بِحَيَاتِكَ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَمْ يُقْسِمْ فِي الْقُرْآنِ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ التَّشْرِيفِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يَخْفَى.

وَلَا يَجُوزُ لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» .

وَقَوْلُهُ: لَعَمْرُكَ، مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ لَعَمْرُكَ قَسَمِي، وَسُمِعَ عَنِ الْعَرَبِ تَقْدِيمُ الرَّاءِ عَلَى اللَّامِ فِي لَعَمْرُكَ، فَتَقُولُ فِيهَا: رَعَمْلُكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

رَعَمْلُكَ إِنَّ الطَّائِرَ الْوَاقِعَ الَّذِي ... تَعَرَّضَ لِي مِنْ طَائِرٍ لَصَدُوقُ

وَقَوْلُهُ: لَفِي سَكْرَتِهِمْ [١٥ \ ٧٢] ، أَيْ: عَمَاهُمْ وَجَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، وَالْعَمَهُ: عَمَى الْقَلْبِ، فَمَعْنَى يَعْمَهُونَ [١٥ \ ٧٢] : يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا نَافِعًا مِنْ ضَارٍّ، وَلَا حَسَنًا مِنْ قَبِيحٍ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِ لُوطٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي [١١ \ ٧٨] فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْمُدَافَعَةَ عَنْ ضَيْفِهِ فَقَطْ، وَلَمْ يُرِدْ إِمْضَاءَ مَا قَالَ، وَبِهَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بَنَاتُهُ لِصُلْبِهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: دَعُوا فَاحِشَةَ اللِّوَاطِ وَأُزَوِّجُكُمْ بَنَاتِي، وَعَلَى هَذَا فَتَزْوِيجُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ، كَمَا كَانَتْ بَنَاتُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الْكُفَّارِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ أَرْسَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِقْدَهَا الَّذِي زَفَّتْهَا بِهِ أُمُّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِ فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ الْمَذْكُورِ لَمَّا أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ، وَقَدْ عَقَدَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبَدَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي مَغَازِيهِ بِقَوْلِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ:

وَابْنُ الرَّبِيعِ صِهْرُ هَادِي الْمِلَّةِ إِذْ فِي فِدَاهُ زَيْنَبُ أَرْسَلَتْ بِعِقْدِهَا الَّذِي بِهِ أَهْدَتْهَا لَهُ خَدِيجَةُ وَزَفَّفَتْهَا سَرَّحَهُ بِعَقْدِهَا وَعَهْدًا إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ غَدَا إِلَخْ. . . الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَنَاتِ: جَمِيعُ نِسَاءِ قَوْمِهِ ; لِأَنَّ نَبِيَّ الْقَوْمِ أَبٌ دِينِيٌّ لَهُمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>