للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [٩٣ \ ٦] ، أَيْ: آوَاكَ بِأَنْ ضَمَّكَ إِلَى عَمِّكَ أَبِي طَالِبٍ.

وَذَلِكَ بِسَبَبِ الْعَوَاطِفِ الْعَصَبِيَّةِ، وَالْأَوَاصِرِ النَّسَبِيَّةِ، وَلَا صِلَةَ لَهُ بِالدِّينِ الْبَتَّةَ، فَكَوْنُهُ جَلَّ وَعَلَا يَمْتَنُّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِيوَاءِ أَبِي طَالِبٍ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ يُنْعِمُ عَلَى الْمُتَمَسِّكِ بِدِينِهِ بِنُصْرَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ تِلْكَ الْعَصَبِيَّةِ النَّسَبِيَّةِ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ:

وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا

فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ ... أَبْشِرْ بِذَاكَ وَقَرَّ مِنْهُ عُيُونَا

وَقَوْلُهُ أَيْضًا:

وَنَمْنَعُهُ حَتَّى نُصْرَعَ حَوْلَهُ ... وَنُذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ لُوطٌ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَ لَهُ عَصَبَةٌ فِي قَوْمِهِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ عَدَمِ الْعَصَبَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُ: قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [١١ \ ٨٠] .

وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَنْفَعُهُمْ عَصَبِيَّةُ إِخْوَانِهِمُ الْكَافِرِينَ.

وَلَمَّا نَاصَرَ بَنُو الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَمْ يُنَاصِرْهُمْ بَنُو عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنُو نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ - عَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ تِلْكَ الْمُنَاصَرَةَ الَّتِي هِيَ عَصَبِيَّةٌ نَسَبِيَّةٌ لَا صِلَةَ لَهَا بِالدِّينِ، فَأَعْطَاهُمْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: «إِنَّا وَبَنِي الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ» وَمَنَعَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ.

وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ:

جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلٍ غَيْرَ آجِلِ

بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يَخِيسُ شَعِيرَةً ... لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ

لَقَدْ سَفَهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدَّلُوا ... بَنِي خَلْفٍ قَيْضًا بِنَا وَالْغَيَاطِلِ

وَالْغَيَاطِلُ «بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ» ، وَمُرَادُ أَبِي طَالِبٍ بِهِمْ: بَنُو سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ «الْقَبِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ» ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْغَيَاطِلَ ; لِأَنَّ قَيْسَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ الَّذِي هُوَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ الْعِظَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْنِيهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِقَوْلِهِ يُرَقِّصُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَهُوَ صَغِيرٌ:

كَأَنَّهُ فِي الْعِزِّ قَيْسُ بْنُ عَدِيٍّ ... فِي دَارِ سَعْدٍ يَنْتَدِي أَهْلَ النَّدَى

<<  <  ج: ص:  >  >>