بِاللَّامِ، وَبِغَيْرِ لَامٍ، تَقُولُ: لَوْلَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُكَ، وَلَوْلَا زَيْدٌ أَكْرَمْتُكَ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: هَمَّ بِهَا نَفْسُ الْجَوَابِ لَمْ يَبْعُدْ، وَلَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ: إِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَإِنَّ جَوَابَ لَوْلَا فِي قَوْلِهِ: وَهَمَّ بِهَا وَإِنَّ الْمَعْنَى: لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا، فَلَمْ يَهِمَّ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ يَرُدُّهُ لِسَانُ الْعَرَبِ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ اهـ.
أَمَّا قَوْلُهُ: يَرُدُّهُ لِسَانُ الْعَرَبِ فَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ \ [٢٨ \ ١٠] ٣٠ فَقَوْلُهُ: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ إِمَّا أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْقَائِلُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ دَلِيلُ الْجَوَابِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لَكَادَتْ تُبْدِي بِهِ.
وَأَمَّا أَقْوَالُ السَّلَفِ: فَنَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا أَقْوَالٌ مُتَكَاذِبَةٌ يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، مَعَ كَوْنِهَا قَادِحَةً فِي بَعْضِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنِ الْمَقْطُوعِ لَهُمْ بِالْعِصْمَةِ.
وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْعَرَبِ ; لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا جَوَابَ لَوْلَا مَحْذُوفًا وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّرُوا الْهَمَّ بِهَا وَلَا يَدُلُ كَلَامُ الْعَرَبِ إِلَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلَ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ مَا قَبْلَ الشَّرْطِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ اهـ. مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَيَّانَ بِلَفْظِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ أَجْرَى الْأَقْوَالِ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ، وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خِلَافَ ذَلِكَ.
فَبِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ تَعْلَمُ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَرِيءٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي، وَأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ أَصْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهَمَّ مُعَلَّقٌ بِأَدَاةِ الِامْتِنَاعِ الَّتِي هِيَ لَوْلَا عَلَى انْتِفَاءِ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ، وَقَدْ رَأَى الْبُرْهَانَ فَانْتَفَى الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَبِانْتِفَائِهِ يَنْتَفِي الْمُعَلَّقُ الَّذِي هُوَ هَمُّهُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي كَلَامِ أَبِي حَيَّانَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَمُّهُ خَاطِرًا قَلْبِيًّا صَرَفَ عَنْهُ وَازِعَ التَّقْوَى، أَوْ هُوَ الشَّهْوَةُ وَالْمَيْلُ الْغَرِيزِيُّ الْمَزْمُومُ بِالتَّقْوَى كَمَا أَوْضَحْنَاهُ، فَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهَمَّ بِهَا لَا يُعَارِضُ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الْآيَاتِ عَلَى بَرَاءَةِ يُوسُفَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute