للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَطُولٍ، وَقِصَرٍ، وَسَعَادَةٍ، وَشَقَاوَةٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ.

وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ [٣١ \ ٣٤] ; لِأَنَّ «مَا» فِيهِ مَوْصُولَةٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَقَوْلِهِ: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [٥٣ \ ٣٢] ، وَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ الْآيَةَ [٣ \ ٦] .

وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا: أَنْ تَكُونَ لَفْظَةَ «مَا» فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ يَعْلَمُ حَمْلَ كُلِّ أُنْثَى بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، كَقَوْلِهِ: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [٣٥ \ ١١] ، وَقَوْلِهِ: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ الْآيَةَ [٤١ \ ٤٧] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ الْآيَةَ قَدْ يَكُونُ لَهَا وَجْهَانِ كِلَاهُمَا حَقٌّ، وَكِلَاهُمَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ، فَنَذْكُرُ الْجَمِيعَ.

وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِ لَفْظَةِ «مَا» فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِفْهَامِيَّةً، فَهُوَ بَعِيدٌ فِيمَا يَظْهَرُ لِي، وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْأَرْحَامِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَذَلِكَ هُوَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَفَاتِحِ الْغَيْبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [٦ \ ٥٩] الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [٣١ \ ٣٤] ، وَالِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي لَفْظَةِ «مَا» مِنْ قَوْلِهِ: يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ الْآيَةَ [١٣ \ ٨] جَارِيَانِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [١٣ \ ٨] فَعَلَى كَوْنِهَا مَوْصُولَةً فِيهِمَا، فَالْمَعْنَى يَعْلَمُ الَّذِي تَنْقُصُهُ وَتَزِيدُهُ، وَعَلَى كَوْنِهَا مَصْدَرِيَّةً، فَالْمَعْنَى يَعْلَمُ نَقْصَهَا وَزِيَادَتَهَا.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [١٣ \ ٨] ، وَهَذِهِ أَقْوَالُهُمْ فِي الْآيَةِ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ «صَاحِبِ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي التَّفْسِيرِ بِالْمَأْثُورِ» : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ، قَالَ: «هِيَ الْمَرْأَةُ تَرَى الدَّمَ فِي حَمْلِهَا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>