للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ صَاحِبُ (الْإِنْصَافِ) : هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْفُرُوعِ هُوَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْمُصَنَّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ (ابْنُ حَزْمٍ) .

وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِيهَا لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ.

فَقِيلَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي التَّعْلِيلِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارَكِ الْإِبِلِ ; فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ» ، وَتَرْتِيبُهُ كَوْنُهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ بِالْفَاءِ عَلَى النَّهْيِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ عِلَّتُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَبْحَثِ مَسْلَكِ النَّصِّ، وَمَسْلَكِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى كَوْنِهَا: «خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ» ، أَنَّهَا رُبَّمَا نَفَرَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَتُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ صَلَاتِهِ، أَوْ أَذَاهُ، أَوْ تَشْوِيشِ خَاطِرِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ شَيْطَانًا. وَالْإِبِلُ إِذَا نَفَرَتْ فَهِيَ عَاتِيَةٌ مُتَمَرِّدَةٌ، فَتَسْمِيَتُهَا بِاسْمِ الشَّيَاطِينِ مُطَابِقٌ لِلُغَةِ الْعَرَبِ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خُلِقَ مِنْ كَذَا لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا يَقُولُونَ: خُلِقَ هَذَا مِنَ الْكَرَمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [٢١ \ ٣٧] ، عَلَى أَصَحِّ التَّفْسِيرَيْنِ.

وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِبِلِ فِي مَعَاطِنِهَا، وَبَيْنَ غَيْبَتِهَا عَنْهَا ; إِذْ يُؤْمَنُ نُفُورُهَا حِينَئِذٍ.

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي (نَيْلِ الْأَوْطَارِ) : وَيُرْشِدُ إِلَى صِحَّةِ هَذَا حَدِيثُ ابْنِ مُغَفَّلٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ: «لَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ ; فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الْجِنِّ، أَلَا تَرَوْنَ إِلَى عُيُونِهَا وَهَيْئَاتِهَا إِذَا نَفَرَتْ» .

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ عِلَّةَ النَّهْيِ أَنْ يُجَاءَ بِهَا إِلَى مَعَاطِنِهَا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْطَعُهَا، أَوْ يَسْتَمِرُّ فِيهَا مَعَ شَغْلِ خَاطِرِهِ، اهـ كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ.

وَمِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ الْمَنْصُوصِ ; فَهِمَ الْعُلَمَاءُ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ بُطْلَانِهَا أَنَّهُ: لَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ النَّهْيِ مَا ذُكِرَ ; دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إِذَا فَعَلَهَا تَامَّةً أَنَّهَا غَيْرُ بَاطِلَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>