وَقَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ [١٠ \ ٥٠] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [١٦ \ ١] فِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْعَذَابُ الْمُوعَدُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [١٦ \ ١] .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ ; أَيْ: لَا تَطْلُبُوا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعَجِّلَ لَكُمُ الْعَذَابَ. قَالَ: مَعْنَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [٥٤ \ ١] ، قَالَ الْكُفَّارُ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَرُبَتْ! فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَأَمْسَكُوا فَانْتَظَرُوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالُوا: مَا نَرَى شَيْئًا! فَنَزَلَتْ: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ الْآيَةَ [٢١ \ ١] ، فَأَشْفَقُوا وَانْتَظَرُوا قُرْبَ السَّاعَةِ ; فَامْتَدَّتِ الْأَيَّامُ، فَقَالُوا: مَا نَرَى شَيْئًا، فَنَزَلَتْ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [١٦ \ ١] ، فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ وَخَافُوا، فَنَزَلَتْ: فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ فَاطْمَأَنُّوا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ «، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا» . اه مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ، أَيْ: لَا تَظُنُّوهُ وَاقِعًا الْآنَ عَنْ عَجَلٍ، بَلْ هُوَ مُتَأَخِّرٌ إِلَى وَقْتِهِ الْمُحَدَّدِ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُ الضَّحَّاكِ وَمَنْ وَافَقَهُ: إِنَّ مَعْنَى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ، أَيْ: فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ، قَوْلٌ مَرْدُودٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ رَدَّهُ الْإِمَامُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَائِلًا: إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْجَلَ فَرَائِضَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ: قَدْ جَاءَتْكُمْ فَرَائِضُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهَا. أَمَّا مُسْتَعْجِلُو الْعَذَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ كَانُوا كَثِيُرًا. اه.
وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهَا تَهْدِيدٌ لِلْكُفَّارِ بِاقْتِرَابِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ نَهْيِهِمْ عَنِ اسْتِعْجَالِهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ تَهْدِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ قُرْبَ الْعَذَابِ مِنْهُمْ وَالْهَلَاكِ، وَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute