للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَأَقصَرَ ... بَاطِلُهُ وَعُرِّيَ أَفْرَاسُ الصِّبَا وَرَوَاحِلُهُ

وَأَقْصَرْتُ عَمَّا تَعْلَمِينَ وَسُدِّدَتْ ... عَلَيَّ سِوَى قَصْدِ السَّبِيلِ مَعَادِلُهُ

وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَمِنَ الطَرِيقَةِ جَائِرٌ وَهُدًى ... قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهُ ذُو دَخَلِ

فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجْهَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ مِصْدَاقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَظْهَرُ عِنْدِي مِنَ الْآخَرِ. الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّ مَعْنَى (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ: أَنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ الَّتِي هِيَ قَصْدُ السَّبِيلِ عَلَى اللَّهِ، أَيْ: مُوَصِّلَةٌ إِلَيْهِ، لَيْسَتْ حَائِدَةً، وَلَا جَائِرَةً عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ وَإِلَى مَرْضَاتِهِ، (وَمِنْهَا جَائِرٌ) أَيْ: وَمِنَ الطَّرِيقِ جَائِرٌ لَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، بَلْ هُوَ زَائِغٌ وَحَائِدٌ عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ، وَقَوْلُهُ: (وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) . وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْسِيرَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَمِنْهَا جَائِرٌ وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ عِنْدِي، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) ، أَيْ: عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ طَرِيقَ الْحَقِّ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ. وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَقَوْلُهُ: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَمِنْهَا جَائِرٌ) ، غَيْرُ وَاضِحٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَمِنَ الطَّرِيقِ جَائِرٌ عَنِ الْحَقِّ، وَهُوَ الَّذِي نَهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ سُلُوكِهِ. وَالْجَائِرُ: الْمَائِلُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَالْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَارِيَانِ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى. . .) الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ هِدَايَةَ جَمِيعِ خَلْقِهِ لَهَدَاهُمْ أَجْمَعِينَ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>