الْمُقْنِعِ: وَعَلَى قِيَاسِهَا الْجَوْشَنُ وَالْخُوذَةُ إِلَخْ، مَا نَصُّهُ: وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِيهِ: وَلَا أَعْرِفُ عَلَى تَحْرِيمِ الْفِضَّةِ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ. وَكَلَامُ شَيْخِنَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ لُبْسِهَا لِلرِّجَالِ، إِلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ - انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: لُبْسُ الْفِضَّةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌّ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهُ، إِلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِذَا أَبَاحَتِ السُّنَّةُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ، وَالتَّحْرِيمُ يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَرَدَّ جَمِيعَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْإِنْصَافِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ أَسِيدِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ الْبَرَّادِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَهُ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا» هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إِبَاحَةِ لُبْسِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ. وَمَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الرِّجَالِ لِلْفِضَّةِ فَقَدْ غَلِطَ ; بَلْ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الذَّهَبَ كَانَ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الرِّجَالَ عَنْ تَحْلِيَةِ نِسَائِهِمْ بِالذَّهَبِ، وَقَالَ لَهُمْ: «الْعَبُوا بِالْفِضَّةِ» ، أَيْ: حَلُّوا نِسَاءَكُمْ مِنْهَا بِمَا شِئْتُمْ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نُسِخَ تَحْرِيمُ الذَّهَبِ عَلَى النِّسَاءِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أُمُورٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ بِمَا يَلْبَسُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ ; بَلْ بِمَا يُحَلُّونَ بِهِ أَحْبَابَهُمْ، وَالْمُرَادُ نِسَاؤُهُمْ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيهِ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَهُ» ، «أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ» ، «أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ» ، وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ نَفْسَهُ، وَلَا أَنْ يُطَوِّقَ نَفْسَهُ، وَلَا أَنْ يُسَوِّرَ نَفْسَهُ ; فَدَلَّ ذَلِكَ دَلَالَةً وَاضِحَةً لَا لَبْسَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: «فَالْعَبُوا بِهَا» ، أَيْ: حَلُّوا بِهَا أَحْبَابَكُمْ كَيْفَ شِئْتُمْ ; لِارْتِبَاطِ آخِرِ الْكَلَامِ بِأَوَّلِهِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الرِّجَالِ أَنْ يَلْبَسُوا حِلَقَ الذَّهَبِ، وَلَا أَنْ يَطَّوَّقُوا بِالذَّهَبِ، وَلَا يَتَسَوَّرُوا بِهِ فِي الْغَالِبِ ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَنْ شَأْنُهُ لُبْسُ الْحَلْقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute