للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النَّهَارِ بِشَيْءٍ ... غَيْرِ أَنَّ الشَّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ

وَقَوْلُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ:

لَئِنْ كَانَ بَرْدُ الْمَاءِ هَيْمَانَ ... صَادِيًا إِلَيَّ حَبِيبًا إِنَّهَا لَحَبِيبُ

وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَلَا نُطِيلُ بِهِ الْكَلَامَ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّه عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ لُبْسَ الْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَأَنَّ مَنْ لَبِسَهَا مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهَا فِي الْآخِرَةِ. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ: «لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ» : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» ، فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْحَرِيرُ: وَالدِّيبَاجُ ; هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» ، يَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ تَحْرِيمُ لُبْسِ الْفِضَّةِ ; لِأَنَّ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَاتِ مَعَهَا يَحْرُمُ لُبْسُهَا بِلَا خِلَافٍ. وَمَا شَمِلَهُ عُمُومُ نَصٍّ ظَاهِرٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إِلَّا بِنَصٍّ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ ; كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي الشُّرْبِ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ لَا فِي لُبْسِ الْفِضَّةِ؟ .

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ، لَا سِيَّمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللُّبْسِ: كَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ.

فَإِنْ قِيلَ: جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ مَا يُفَسِّرُ هَذَا، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِضَّةِ الشُّرْبُ فِي آنِيَتِهَا لَا لُبْسُهَا ; قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ «بَابُ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ» ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ، إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: «هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» ، «بَابُ آنِيَةِ الْفِضَّةِ» ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ ; فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>