بِكَوْنِهِمْ مُتَّقِينَ - أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّقِينَ يُجِيبُونَ جَوَابًا غَيْرَ هَذَا. وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِهَذَا الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ وَهُمُ الْكُفَّارُ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [١٥٦ \ ٢٤] ، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي هِيَ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْجَزَاءُ الْحَسَنُ فِي الْآخِرَةِ. وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ الْآيَةَ [١٠ \ ٢٦] ، وَالْحُسْنَى: الْجَنَّةُ. وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. وَقَوْلِهِ: وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [٥٦٣ \ ٣١] ، وَقَوْلِهِ: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [٥٥ \ ٦٠] ، وَقَوْلِهِ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا [٢٨ \ ٨٤] ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: حَسَنَةٌ، أَيْ: مُجَازَاةٌ حَسَنَةٌ بِالْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا. وَالْآيَاتُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ دَارَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا. وَكَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ الْآيَةَ [٢٨ \ ٨٠] ، وَقَوْلِهِ: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ، وَقَوْلِهِ: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَقَوْلِهِ: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى [٩٣٢ \ ٤] ، وَقَوْلِهِ: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ الْآيَةَ [٣ \ ١٤ - ١٥] ، وَقَوْلُهُ، خَيْرٌ [١٦ \ ٣٠] ، صِيغَةُ تَفْضِيلٍ، حُذِفَتْ هَمْزَتُهَا ; لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَخْفِيفًا.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ بِقَوْلِهِ:
وَغَالِبًا أَغْنَاهُمُ خَيْرٌ وَشَرْ ... عَنْ قَوْلِهِمْ أَخْيَرُ مِنْهُ وَأَشَرْ
وَإِنَّمَا قِيلَ لِتِلْكَ الدَّارِ: الدَّارُ الْآخِرَةُ ; لِأَنَّهَا هِيَ آخِرُ الْمَنَازِلِ، فَلَا انْتِقَالَ عَنْهَا الْبَتَّةَ إِلَى دَارٍ أُخْرَى.
وَالْإِنْسَانُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ. فَأَوَّلُ ابْتِدَائِهِ مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ أَصْلِ التُّرَابِ إِلَى أَصْلِ النُّطْفَةِ، ثُمَّ إِلَى الْعَلَقَةِ، ثُمَّ إِلَى الْمُضْغَةِ، ثُمَّ إِلَى الْعِظَامِ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute