لَيْسُوا بِأَعْفَافٍ وَلَا أَكَيَاتْ
وَقَوْلُهُ: «النَّاتُ» ، أَصْلُهُ «النَّاسُ» أُبْدِلَتْ فِيهِ السِّينُ تَاءً. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «أَكَيَاتٌ» أَصْلُهُ «أَكْيَاسٌ» جَمْعُ كَيِّسٍ، أُبْدِلَتْ فِيهِ السِّينُ تَاءً أَيْضًا. وَقَالَ الْمَعَرِّيُّ يَصِفُ مَرَاكِبَ إِبِلٍ مُتَغَرِّبَةٍ عَنِ الْأَوْطَانِ: إِذَا رَأَتْ لَمَعَانَ الْبَرْقِ تَشْتَاقُ إِلَى أَوْطَانِهَا. فَزَعَمَ أَنَّهُ يَسْتُرُ عَنْهَا الْبَرْقَ لِئَلَّا يُشَوِّقُهَا إِلَى أَوْطَانِهَا، كَمَا كَانَ عَمْرٌو يَسْتُرُهُ عَنْ سَعْلَاتِهِ:
إِذَا لَاحَ إِيمَاضٌ سَتَرْتُ وُجُوهَهَا ... كَأَنِّي عَمْرٌو وَالْمُطِيُّ سَعَالِي
وَالسَّعْلَاةُ: عَجُوزُ الْجِنِّ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَحَدُ أَبَوَيْ بِلْقِيسَ كَانَ جِنِّيًّا» .
قَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ: وَقَالَ شَارِحُهُ الْمَنَاوِيُّ: فِي إِسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ فِي الْمِيزَانِ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ. وَعَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ: لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِنَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ مَنَاكِيرِهِ هَذَا الْخَبَرَ اه. وَبَشِيرُ بْنُ نَهِيكٍ أَوْرَدَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْمَنَاوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «أَحَدُ أَبَوَيْ بِلْقِيسَ كَانَ جِنِّيًا» ، قَالَ قَتَادَةُ: وَلِهَذَا كَانَ مُؤَخَّرُ قَدَمَيْهَا كَحَافِرِ الدَّابَّةِ. وَجَاءَ فِي آثَارٍ: أَنَّ الْجِنِّيَّ الْأُمُّ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهَا مَلِكَ الْيَمَنِ خَرَجَ لِيَصِيدَ فَعَطِشَ، فَرُفِعَ لَهُ خِبَاءٌ فِيهِ شَيْخٌ فَاسْتَسْقَاهُ، فَقَالَ: يَا حَسَنَةُ، اسْقِي عَمَّكِ ; فَخَرَجَتْ كَأَنَّهَا شَمْسٌ بِيَدِهَا كَأْسٌ مِنْ يَاقُوتٍ. فَخَطَبَهَا مِنْ أَبِيهَا، فَذَكَرَ أَنَّهُ جِنِّيُّ، وَزَوَّجَهَا مِنْهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ إِنْ سَأَلَهَا عَنْ شَيْءٍ عَمِلَتْهُ فَهُوَ طَلَاقُهَا. فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ، وَلَمْ يُذَكِّرْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَبَحَتْهُ فَكَرَبَ لِذَلِكَ، وَخَافَ أَنْ يَسْأَلَهَا فَتَبِينُ مِنْهُ. ثُمَّ أَتَتْ بِبِلْقِيسَ فَأَظْهَرَتِ الْبِشْرَ ; فَاغْتَمَّ فَلَمْ يَمْلِكْ أَنْ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: هَذَا جَزَائِي مِنْكَ! بَاشَرْتُ قَتْلَ وَلَدِي مِنْ أَجْلِكَ! وَذَلِكَ أَنْ أَبِي يَسْتَرِقُ السَّمْعَ فَسَمِعَ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: إِنَّ الْوَلَدَ إِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ ذَبَحَكَ، ثُمَّ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فِي هَذِهِ فَسَمِعَهُمْ يُعَظِّمُونَ شَأْنَهَا، وَيَصِفُونَ مُلْكَهَا، وَهَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ; فَلَمْ يَرَهَا بَعْدُ. هَذَا مَحْصُولُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ. اه مِنْ شَرْحِ الْمَنَاوِيِّ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ «سُورَةِ النَّحْلِ» : كَانَ أَبُو بِلْقِيسَ وَهُوَ: السَّرْحُ بْنُ الْهُدَاهِدِ بْنِ شُرَاحِيلَ، مَلِكًا عَظِيمَ الشَّأْنِ، وَكَانَ يَقُولُ لِمُلُوكِ الْأَطْرَافِ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ كُفْأً لِي. وَأَبَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute