اللحية، فقال: إنا لا ندري ما أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له: أويس وهو أخمل ذكرًا، وأقل مالًا، وأهون أمرًا من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده. قال: أين ابن أخيك هذا أبحر منا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب، قال: بأراك عرفات، قال: فركب عمر وعلي سراعًا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه، فقالا: السلام عليك ورحمة الله، فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته، قالا: من الرجل؟ قال: راعى إبل وأجير قوم. قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا الإجارة، ما اسمك؟ قال: عبد الله، قالا: قد علمنا أن أهك السموات والأرض كلهم عبيد الله، فما اسمك الذي سمتك أمك؟، قال: يا هذان ما تريدان إليَّ؟، قالا: وصف لنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أويسًا القرني، فقد عرفنا الصهوبة والشهولة، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كان بك فأنت هو، فأوضح منكبه فإذا اللمعة. فابتدراه يقبلانه، قالا: نشهد أنك أويس القرني، فاستغفر لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحدًا من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر، في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات؛ لا هذان! قد أشهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي - رضى الله عنه -: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعليّ بن أبي طالب فاستوى أويس قائمًا، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأنت يا علي بن أبي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيرًا، قالا: وأنت جزاك اللّه عن نفسك خيرًا، فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي، وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك، قال. يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني، ما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى عليّ إزارًا من صوف، ورداء من صوف، متى تراني أخرقهما، أما ترى أن نعلي مخصوفتان، متى تراني أبليهما؟، أما تراني أني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟، يا أمير المؤمنين، إن بين يدي ويديك عقبة كئودًا، لا يجاوزها إلّا ضامر مخف مهزول، فأخف يرحمك الله. فلما سمع عمر ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض، ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أن أم عمر لم تلده، يا ليتها كانت عاقرًا لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟، ثم قال: يا أمير