لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَنَفَذَ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرَ سِوَى الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ كُلُّهُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ يُعْتَقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ خَالِصُ حَقِّهِ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِكُمْ» وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوا فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ؛ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا الزِّيَادَةَ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبْدِ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَ كُلُّهُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُعْتَقُ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ «رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ ﷺ ثُلُثَهُ وَاسْتَسْعَاهُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ» فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حَيْثُ أَجَازَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ حَيْثُ اعْتَبَرَهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَعَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا سِعَايَةَ فِي الشَّرِيعَةِ حَيْثُ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا لَقِيمَتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَى الْعَبْدِ أَوْ لَهُ مَالٌ آخَرُ لَكِنَّ الدَّيْنَ مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ فَأَعْتَقَ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِلْغَرِيمِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَتَجِبُ السِّعَايَةُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْأَعْرَجِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَسْعَى فِي الدَّيْنِ» ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ لِقِيمَةِ الْعَبْدِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَانِ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْغَرِيمِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ نِصْفُهُ الثَّانِي عَتَقَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَ جَمِيعُ نِصْفِهِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ يُعْتَقُ ثُلُثُ النِّصْفِ الثَّانِي مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ النِّصْفِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَقُ سُدُسُهُ مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ: ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْغَرِيمِ وَسَهْمَانِ لِلْوَرَثَةِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَأَعْتَقَهُمَا وَهُوَ مَرِيضٌ، فَهُوَ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمَا وَهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ، عَتَقَا جَمِيعًا بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ فَكَذَلِكَ؛ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا الزِّيَادَةَ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمَا فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهُ مَجَّانًا وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، فَيَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ؛ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ فَيَصِيرُ جُمْلَةُ الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدَانِ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ فَيَخْرُجُ مِنْهَا سِهَامُ الْعِتْقِ وَسِهَامُ السِّعَايَةِ لِلْعَبْدَيْنِ: سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ، وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ؛ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ السِّعَايَةِ، يُجْعَلُ هُوَ مُسْتَوْفِيًا لِوَصِيَّتِهِ مُتْلِفًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ، وَالتَّلَفُ يَدْخُلُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْعَبْدِ الْبَاقِي فَيُجْمَعُ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَنَصِيبُ الْعَبْدِ الْحَيِّ وَذَلِكَ سَهْمٌ فَيَكُونُ خَمْسَةً؛ فَيُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ الْحَيِّ خُمُسُهُ، وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ فَيَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْحَيِّ سَهْمٌ، وَالْمَيِّتُ قَدْ اسْتَوْفَى سَهْمًا فَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْوَصِيَّةِ سَهْمَانِ؛ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
وَلَوْ كَانَ الْعَبِيدُ ثَلَاثَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ، يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فَتَصِيرُ الْعَبِيدُ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ: سِتَّةُ أَسْهُمٍ لِلْوَرَثَةِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْعَبِيدِ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ السِّعَايَةِ صَارَ مُتْلِفًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ مُسْتَوْفِيًا لِوَصِيَّتِهِ، فَيُجْمَعُ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَنَصِيبُ الْعَبْدَيْنِ سَهْمَانِ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ، فَيُجْعَلُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُهُ وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ؛ فَيَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَلِلْعَبْدَيْنِ سَهْمَانِ وَالْمَيِّتُ اسْتَوْفَى سَهْمًا؛ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
فَإِنْ مَاتَ اثْنَانِ يُجْمَعُ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ سِتَّةٌ وَلِلْحَيِّ سَهْمٌ فَيَكُونُ سَبْعَةٌ فَيُعْتَقُ مِنْ الْحَيِّ سُبُعُهُ وَيَسْعَى فِي سِتَّةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِ؛ فَيَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ سِتَّةٌ وَلِلْحَيِّ سَهْمٌ وَالْمَيِّتَانِ اسْتَوْفَيَا سَهْمَيْنِ؛ فَحَصَلَتْ الْوَصِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالسِّعَايَةُ سِتَّةٌ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَلَا وَصِيَّةَ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ بِأَنْ كَانَ أَلْفًا وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ.
يَسْعَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute