كُلُّ وَاحِدٍ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ثُمَّ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيَّةٌ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَ النِّصْفُ الْبَاقِي مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ نِصْفِ الْبَاقِي مَجَّانًا وَهُوَ السُّدُسُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ النِّصْفِ، فَفِي الْحَاصِلِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُهُ مَجَّانًا وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
الْمَرِيضُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ، فَأَمْرُ الْعَبْدِ فِي الْحَالِ فِي أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ بَرِئَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ حُرًّا مِنْ حِينِ أَعْتَقَ، وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ.
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ فَنَحْوُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَكِنْ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْأَحْكَامِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْإِعْتَاقِ بَلْ هِيَ مِنْ التَّوَابِعِ، وَالثَّمَرَاتُ تَثْبُتُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ دُونَ بَعْضٍ كَالْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ: الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْمَجْهُولِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُعْتِقِ إمَّا إنْ كَانَتْ أَصْلِيَّةً وَإِمَّا إنْ كَانَتْ طَارِئَةً، فَإِنْ كَانَتْ أَصْلِيَّةً وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مِنْ الِابْتِدَاءِ مُضَافَةً إلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ فَيُجْهَلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ؛ لِمُزَاحَمَةِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ فِي الِاسْمِ، فَصَاحِبُهُ الْمُزَاحِمُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلْإِعْتَاقِ أَوْ لَا يَكُونُ مُحْتَمِلًا لَهُ، وَالْمُحْتَمِلُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ أَوْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْإِعْتَاقِ وَهُوَ مِمَّنْ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، أَوْ يَقُولَ: هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا، أَوْ يَقُولَ سَالِمٌ حُرٌّ أَوْ بَرِيعٌ، لَا يَنْوِي أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي.
بَيَانِ كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ الْكَيْفِيَّةُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي الْأَصْلِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى، وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَقُولُ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى: إنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمَا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِخْدَامِ الْحُرِّ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمَا ويستكسبهما وَتَكُونُ الْغَلَّةُ وَالْكَسْبُ لِلْمَوْلَى، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا.
وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، فَالْجِنَايَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ الْمَوْلَى وَإِمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ بِأَنْ قَطَعَ يَدَ الْعَبْدَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُزُولِ الْعِتْقِ حَيْثُ جَعَلَهُمَا فِي حُكْمِ الْمَمْلُوكَيْنِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، وَسَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ وَلَا يَكُونُ ثَابِتًا، بِخِلَافِ الْقَتْلِ؛ لِمَا نَذْكُرُ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةً عَلَى النَّفْسِ بِأَنْ قَتَلَهُمَا فَإِنْ قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ، فَالْأَوَّلُ عَبْدٌ وَالثَّانِي حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى قَتْلِ الْأَوَّلِ فَقَدْ تَعَيَّنَ الثَّانِي لِلْعِتْقِ فَإِذَا قَتَلَهُ فَقَدْ قَتَلَ حُرًّا، فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَتَكُونُ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَصِيرُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ، وَإِنْ قَتَلَهُمَا مَعًا بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَى الْمَوْلَى أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْحُرُّ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَاعَتْ حُرِّيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِنُزُولِ الْعِتْقِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِأَنْ قَطَعَ إنْسَانٌ يَدَ الْعَبْدَيْنِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْعَبِيدِ، وَذَلِكَ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ يَكُونُ أَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الْمَوْلَى، وَهَذَا يُوجِبُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ نُزُولِ الْعِتْقِ إذْ لَوْ نَزَلَ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَرْشَ يَدِ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَهُوَ نِصْفُ قِيمَةِ عَبْدٍ وَنِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ فَالْقَاتِلُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ وَاحِدًا وَإِمَّا إنْ كَانَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنْ قَتَلَهُمَا مَعًا فَعَلَى الْقَاتِلِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، نِصْفُ قِيمَةِ هَذَا وَنِصْفُ قِيمَةِ ذَاكَ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى، وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ هَذَا وَنِصْفُ دِيَةِ ذَاكَ وَتَكُونُ لِوَرَثَتِهِمَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ نَازِلٌ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ، لَكَانَ الْوَاجِبُ فِي قَتْلِهِمَا مَعًا قِيمَةَ عَبْدَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ بَلْ وَجَبَ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ وَقَدْ قَتَلَ حُرًّا وَعَبْدًا، وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْحُرِّ الدِّيَةُ وَبِقَتْلِ الْعَبْدِ الْقِيمَةُ، وَالدِّيَةُ لِلْوَرَثَةِ وَالْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا انْقَسَمَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَجِبُ دِيَتُهُ فِي حَالٍ وَقِيمَتُهُ فِي حَالٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَيَنْقَسِمُ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ كَمَا هُوَ أَصْلُ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يَجِبُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute