للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ.

وَهَذَا كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَحُرٍّ فَقَالَ: اثْنَانِ مِنْكُمْ حُرَّانِ، أَنَّهُ يُصْرَفُ أَحَدُهُمَا إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ حُرِّيَّةِ أَحَدِهِمْ وَالْآخَرُ إلَى إنْشَاءِ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ لَا غَيْرُ، كَأَنَّهُ قَالَ لِلْحُرَّانِ: هَذَا حُرٌّ، وَأَحَدُ الْعَبْدَيْنِ حُرٌّ، فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ لِشُيُوعِ الْعِتْقِ فِيهِمَا، كَذَا هَذَا.

وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَتَعَلَّقُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْمَوْتِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ ثُمَّ إنْ بَدَأَ بِالْبَيَانِ لِلْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ إيجَابَ الثَّانِي بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ وَقَعَ صَحِيحًا؛ لِوُقُوعِهِ بَيْنَ عَبْدَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِهَذَا الْإِيجَابِ، وَإِنْ عَنَى بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلَ الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ وَقَعَ لَغْوًا؛ لِحُصُولِهِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَامُ الثَّانِي يَنْصَرِفُ إلَى الدَّاخِلِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِهِ إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْعَبْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالْبَيَانِ لِلْإِيجَابِ الثَّانِي فَإِنْ عَنَى بِهِ الدَّاخِلَ عَتَقَ الدَّاخِلُ عَتَقَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَبَقِيَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ، فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ كَمَا كَانَ وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَعَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ؛ لِتَعْيِينِهِ لِلْعِتْقِ بِإِعْتَاقِ الثَّابِتِ.

وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهَهُنَا حَالَانِ: حَالُ مَا بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدَيْنِ وَحَالُ مَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى أَمَّا مَوْتُ الْعَبْدَيْنِ: فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي وَقَعَ بَاطِلًا، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ قَدْ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ فَعِتْقُهُ يُوجِبُ تَعْيِينَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْعِتْقِ، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ لِلْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَ الدَّاخِلِ وَالثَّابِتِ، فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي وَقَعَ بَاطِلًا.

وَأَمَّا مَوْتُ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الصِّحَّةِ يُعْتَقُ مِنْ الْخَارِجِ نِصْفُهُ، وَمِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّاخِلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: يُعْتَقُ مِنْ الدَّاخِلِ نِصْفُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: رُبْعُهُ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوِفَاقِ؛ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ عَنَى بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ الْخَارِجَ عَتَقَ كُلُّهُ وَلَمْ يُعْتَقْ بِهِ الثَّابِتُ، وَإِنْ كَانَ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتُ كُلُّهُ وَلَمْ يُعْتَقْ بِهِ الْخَارِجُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعْتَقُ فِي حَالٍ وَلَا يُعْتَقُ فِي حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي يُعْتَقُ نِصْفُهُ الْبَاقِي فِي حَالٍ وَلَا يُعْتَقُ فِي حَالٍ، فَيَتَنَصَّفُ ذَلِكَ النِّصْفُ فَيُعْتَقُ رُبْعُهُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَقَدْ عَتَقَ نِصْفُهُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ؛ فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ، فَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ يَصِحُّ فِي حَالٍ وَلَا يَصِحُّ فِي حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَوْلَى عَنَى بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ الْخَارِجَ يَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ يَبْقَى رَقِيقًا فَيَقَعُ الْإِيجَابُ الثَّانِي جَمْعًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَيَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ جَمْعًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَيَلْغُو؛ فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي فِي حَالٍ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَالٍ فَلَا يُثْبِتُ إلَّا نِصْفَ حُرِّيَّةٍ فَيُقْسَمُ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ، فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي إنَّمَا يَدُورُ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ إذَا نَزَلَ الْعِتْقُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمَا وَلَمْ يَنْزِلْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ الْإِيجَابُ الثَّانِي صَحِيحًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمَّا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ أَصَابَ الدَّاخِلَ مِنْ هَذَا الْإِيجَابِ نِصْفُ حُرِّيَّةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ بِهِ النِّصْفُ الْبَاقِيَ وَلَا يُعْتَقُ الدَّاخِلُ، وَإِنْ كَانَ عَنَى بِهِ الدَّاخِلَ عَتَقَ كُلُّهُ وَلَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ الثَّابِتِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي حَالٍ وَلَا يَثْبُتُ فِي حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَيُعْتَقُ مِنْ الثَّابِتِ رُبْعُهُ وَمِنْ الدَّاخِلِ نِصْفُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ غَيْرُ سَدِيدٍ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ لَوْ كَانَ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ لَبَطَلَ أَصْلًا وَرَأْسًا؛ لِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، يَبْطُلُ أَصْلًا وَرَأْسًا وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ حَيْثُ قَالَ بِثُبُوتِ نِصْفِ حُرِّيَّةٍ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ، هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>