الْحُرْمَةِ، أَوْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزْوِيجِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ عِنْدَ عَدَمِ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا بِثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا، وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ عَلَى الْفِرَاشِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْقِنَّةِ أَوْ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَإِنْ حَصَّنَهَا الْمَوْلَى وَطَلَب وَلَدَهَا بِدُونِ الدَّعْوَةِ عِنْدَنَا، فَلَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِدُونِ الدَّعْوَةِ، ثُمَّ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ بِدُونِ الدَّعْوَةِ دُونَ وَلَدِ الْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَرَّزُ عَنْ الْإِعْلَاقِ، إذْ التَّحَرُّزُ لِخَوْفِ فَوَاتِ مَالِيَّتِهَا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا يَعْزِلَ عَنْهَا بَلْ يُعَلِّقُهَا فَكَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ الْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةُ، فَإِنَّ هُنَاكَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَلِّقُهَا بَلْ يَعْزِلُ عَنْهَا تَحَرُّزًا عَنْ إتْلَافِ الْمَالِيَّةِ، فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، فَهُوَ الْفَرْقُ - وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
فَإِنْ صَارَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمَوْلَى عَلَى التَّأْبِيدِ بِأَنْ وَطِئَهَا ابْنُ الْمَوْلَى أَوْ أَبُوهُ أَوْ وَطِئَ الْمَوْلَى أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ؛ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي أَتَتْ بِهِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْحُرْمَةِ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْوَطْءِ كَالنَّفْيِ دَلَالَةً، وَإِنْ ادَّعَى يَثْبُتْ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ أَصْلًا فَقَالَ: إذَا حُرِّمَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَا يَقْطَعُ نِكَاحَ الْحُرَّةِ وَيُزِيلُ فِرَاشَهَا مِثْلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَوْلَاهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ الزَّوْجَةِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَقْطَعُ فِرَاشَ الزَّوْجَةِ، فَلَأَنْ تَقْطَعَ فِرَاشَ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لِلزَّوْجِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَصِيرَ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى يَعْتِقُ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ: هَذَا ابْنِي، وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَقْطَعُ نِكَاحَ الْحُرَّةِ وَلَا يُزِيلُ فِرَاشَهَا مِثْلَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ عَارِضٌ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْفِرَاشِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْفِيَ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ أَمَّا النَّفْيُ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَزْلَ عَنْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، فَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ فَكَانَ مُصَدَّقًا.
وَأَمَّا النَّفْيُ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلِأَنَّ فِرَاشَ أُمِّ الْوَلَدِ أَضْعَفُ مِنْ فِرَاشِ الْحُرَّةِ وَهَذَا أَصْلٌ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْفُرُشَ ثَلَاثَةٌ: قَوِيٌّ وَضَعِيفٌ وَوَسَطٌ.
فَالْقَوِيُّ: هُوَ فِرَاشُ النِّكَاحِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، وَالضَّعِيفُ فِرَاشُ الْأَمَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ، وَالْوَسَطُ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ، وَيَنْتَفِي مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بِالتَّزْوِيجِ فَيَحْتَمِلُ الِانْتِفَاءَ بِالنَّفْيِ بِخِلَافِ فِرَاشِ الزَّوْجِ، ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ إذَا لَمْ يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي أَوْ لَمْ تَتَطَاوَلْ الْمُدَّةُ، فَأَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ أَوْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ فَلَا يَنْتَفِي؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَحْتَمِلُ النَّفْيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا تَطَاوُلُ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ النَّفْيِ إقْرَارٌ مِنْهُ دَلَالَةً، وَالنَّسَبُ الْمُقَرُّ بِهِ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ لِتَطَاوُلِ الْمُدَّةِ تَقْدِيرًا، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَدَّرَاهُ بِمُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ بِأَنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْأُمِّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأُمِّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، هَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فِي مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ، ثُمَّ مَلَكَهَا وَلَهَا وَلَدٌ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ فَارَقَهَا فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْ آخَرَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ ثُمَّ مَلَكَهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ وَوَلَدَهَا، صَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَلَا يَصِيرُ وَلَدُهَا وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: إذَا مَلَكَ مَنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا مِنْهُ، فَهُوَ وَلَدُ أُمِّ وَلَدِهِ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْأُمِّ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَكِنَّهُ لَمَّا مَلَكَهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِالْعُلُوقِ السَّابِقِ، وَالْوَلَدُ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَحْدُثُ عَلَى وَصْفِ الْأُمِّ، فَإِذَا مَلَكَهُ يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ الَّذِي يَثْبُتُ فِي الْأُمِّ، وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِي الْأُمِّ وَهُوَ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ شَرْعًا إنَّمَا تَثْبُتُ وَقْتَ مِلْكِ الْأُمِّ، وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالسِّرَايَةُ لَا تَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ، وَيَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِكَسْبِهَا لَا بِرَقَبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْبَيْعَ لِمَا ذَكَرْنَا وَتَسْعَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute