الْعَجْزِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ الْقَضَاءِ.
وَأَمَّا إذَا بَرِئَ أَوْ صَحَّ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ فَهْمِ الْخِطَابِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَيُؤَاخَذُ بِقَضَائِهَا، بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ فَهْمِ الْخِطَابِ فَيَمْنَعُ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ دَخَلَتْ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَقَدْ فَاتَتْ لَا بِتَضْيِيعِهِ الْقُدْرَةَ بِقَصْدِهِ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَوَقَعَ فِي الْحَرَجِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَالَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْعِلْمِ أَوْ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَرَجِ لَا يَخْتَلِفُ، وَلِهَذَا سَقَطَتْ عَنْ الْحَائِضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَيْضُ يُعْجِزُهَا عَنْ فَهْمِ الْخِطَابِ، وَعَلَى هَذَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ أَفَاقَ قَضَى مَا فَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَقَالَ بِشْرٌ: الْإِغْمَاءُ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْإِغْمَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِغْمَاءُ يُسْقِطُ إذَا اسْتَوْعَبَ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا وَتُذْكَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدَ بَيَانِ مَا يُقْضَى مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا وَمَا لَا يُقْضَى مِنْهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنْ كَانَ شُرُوعُهُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ بُنِيَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف - اسْتِحْسَانًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَقْبِلُ قِيَاسًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَائِمَ لَا يَقْتَدِي بِالْقَاعِدِ فَكَذَا لَا يَبْنِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ عَلَى آخِرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَيَجُوزُ الْبِنَاءُ، وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا وَإِنْ كَانَ شُرُوعُهُ بِالْإِيمَاءِ يَسْتَقْبِلُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْنِي؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِالْمُومِئِ، فَيَجُوزُ الْبِنَاءُ، وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا يُذْكَرُ.
(وَأَمَّا) الصَّحِيحُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ عَلَى حَسَبِ إمْكَانِهِ قَاعِدًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ مُخْتَلِفَانِ فِعْلًا فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُمَا بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ آخِرِ الصَّلَاةِ عَلَى أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ بِنَاءِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَثَمَّةَ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُومِئِ بِالصَّحِيحِ لِمَا يُذْكَرُ فَيَجُوزُ الْبِنَاءُ هَهُنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَنَى لَصَارَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ كَامِلًا وَبَعْضَهَا نَاقِصًا، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ لَأَدَّى الْكُلَّ نَاقِصًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى.
وَلَوْ رُفِعَ إلَى وَجْهِ الْمَرِيضِ وِسَادَةٌ أَوْ شَيْءٌ فَسَجَدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُومِئَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِ الْإِيمَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُفْعَلَ هَذَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ فَقَالَ: إنْ قَدَرْتَ أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِ بِرَأْسِكَ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي وَيُرْفَعُ إلَيْهِ عُودٌ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ، فَنَزَعَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ عَرَضَ لَكُمْ الشَّيْطَانُ، أَوْمِ لِسُجُودِك.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ مَرِيضٍ فَقَالَ: أَتَتَّخِذُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى؟ ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ يُنْظَرْ: إنْ كَانَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ شَيْئًا ثُمَّ لِلسُّجُودِ ثُمَّ يُلْزَقُ بِجَبِينِهِ يَجُوزُ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ لَا لِلسُّجُودِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَوْضُوعَةً عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ يَسْجُدُ عَلَيْهَا - جَازَتْ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَسْجُدُ عَلَى مِرْفَقَةٍ مَوْضُوعَةٍ بَيْنَ يَدَيْهَا لِرَمَدٍ بِهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ إذَا كَانَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهُوَ خَارِجُ الْمِصْرِ وَبِهِ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ، مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ أَوْ السَّبُعِ، أَوْ كَانَ فِي طِينٍ أَوْ رَدْغَةٍ يُصَلِّي الْفَرْضَ عَلَى الدَّابَّةِ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ مِنْ غَيْرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اعْتِرَاضِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ مِنْ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَجَزَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، وَيُومِئُ إيمَاءً، لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُومِئُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ» لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ بِجَمَاعَةٍ سَوَاءٌ تَقَدَّمَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ تَوَسَّطَهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَجُوزَ اقْتِدَاؤُهُمْ بِالْإِمَامِ إذَا كَانَتْ دَوَابُّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ دَابَّةِ الْإِمَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ فُرْجَةٌ إلَّا بِقَدْرِ الصَّفِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَكَانِ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِيَثْبُتَ اتِّحَادُ الصَّلَاتَيْنِ تَقْدِيرًا بِوَاسِطَةِ اتِّحَادِ الْمَكَانِ، وَهَذَا مُمْكِنٌ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ جُعِلَ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ شَرْعًا، وَكَذَا فِي الصَّحْرَاءِ تُجْعَلُ الْفُرُجُ الَّتِي بَيْنَ