الصُّفُوفِ مَكَانَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُشْغَلُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْضًا فَصَارَ الْمَكَانُ مُتَّحِدًا، وَلَا يُمْكِنُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ مِنْ غَيْرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، فَلَمْ تَكُنْ الْفُرَجُ الَّتِي بَيْنَ الصُّفُوفِ وَالدَّوَابِّ مَكَانَ الصَّلَاةِ فَلَا يَثْبُتُ اتِّحَادُ الْمَكَانِ تَقْدِيرًا، فَفَاتَ شَرْطُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَلَمْ يَصِحَّ، وَلَكِنْ تَجُوزُ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ حَتَّى لَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَحْمَلٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي شِقَّيْ مَحْمَلٍ وَاحِدٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ عَلَى حِدَةٍ، فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ جَازَ لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى عَلَى حِمَارِهِ وَبَعِيرِهِ.
وَلَوْ كَانَ عَلَى سَرْجِهِ قَذَرٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ الرِّكَابَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ وَأَوَّلَا الْعُذْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ بِالْعُرْفِ، وَعِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا تَجُوزُ - كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَصْلِ - لِتَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالدَّابَّةُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، ثُمَّ إذَا لَمْ يُمْنَعْ الْجَوَازُ فَهَذَا أَوْلَى وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ - مَعَ أَنَّ الْأَرْكَانَ أَقْوَى مِنْ الشَّرَائِطِ - فَلَأَنْ يَسْقُطَ شَرْطُ طَهَارَةِ الْمَكَانِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَكَانِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِأَدَاءِ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُؤَدِّي عَلَى مَوْضِعِ سَرْجِهِ وَرِكَابَيْهِ هَهُنَا رُكْنًا لِيَشْتَرِطَ طَهَارَتَهَا؛ إنَّمَا الَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ الْإِيمَاءُ، وَهُوَ إشَارَةٌ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ طَهَارَةُ مَوْضِعِ السَّرْجِ وَالرِّكَابَيْنِ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ كَيْفَمَا كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى السَّيْرِ، فَأَمَّا لِعُذْرِ الطِّينِ وَالرَّدْغَةِ فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ سَائِرَةً؛ لِأَنَّ السَّيْرَ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ وَلَوْ اسْتَطَاعَ النُّزُولَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَنْزِلُ وَيُومِئُ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ يَنْزِلُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ إذَا صَلَّى فِيهَا قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَنْ يَجُوزَ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ وَالسَّفِينَةُ جَارِيَةٌ، وَلَوْ قَامَ يَدُورُ رَأْسُهُ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ أَنَّ السَّفِينَةَ لَا تَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً فِي الْمَاءِ أَوْ كَانَتْ مُسْتَقِرَّةً عَلَى الْأَرْضِ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا اسْتَقَرَّتْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْأَرْضِ، وَلَا تَجُوزُ إلَّا قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ.
وَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا قَاعِدًا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً عَلَى الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ إمْكَانِ النُّزُولِ كَذَا هَذَا وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ إلَى الشَّطِّ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ دَوَرَانَ الرَّأْسِ فِي السَّفِينَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقُعُودِ، وَهُوَ آمِنٌ عَنْ الدَّوْرَانِ فِي الشَّطِّ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَصَلَّى فِيهَا قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَجْزَأَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَنَسٌ ﵁ فِي السَّفِينَةِ قُعُودًا، وَلَوْ شِئْنَا لَخَرَجْنَا إلَى الْحَدِّ؛ وَلِأَنَّ السَّفِينَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ، وَإِذَا دَارَتْ السَّفِينَةُ وَهُوَ يُصَلِّي يَتَوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ حَيْثُ دَارَتْ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ هَذَا الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ تَعَذُّرٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا إمْكَانَ وَأَمَّا إذَا صَلَّى فِيهَا قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ - بِأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدُورُ رَأْسُهُ لَوْ قَامَ - وَعَنْ الْخُرُوجِ إلَى الشَّطِّ - أَيْضًا - يُجْزِئُهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِعُذْرِ الْعَجْزِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقُعُودِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَصَلَّى بِالْإِيمَاءِ لَا يُجْزِئُهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَأَمَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الشَّطِّ فَصَلَّى قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَجْزَأَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - وَقَدْ أَسَاءَ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُ.
(وَاحْتَجَّا) بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» ، وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ لِلْقِيَامِ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَعَثَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ﵁ إلَى الْحَبَشَةِ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا إلَّا أَنْ يَخَافَ الْغَرَقَ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعُذْرٍ وَلَمْ يُوجَدْ.
(وَلِأَبِي) حَنِيفَةَ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ عَنْ الصَّلَاةِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute