للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَذَا؛ ابْنُهُ وَلِأَنَّ فِيهَا نَظَرًا لِلصَّغِيرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْأَصْلِ لَيْسَتْ بِمَالٍ خُصُوصًا مَنَافِعُ الْحُرِّ وَبِالْإِجَارَةِ تَصِيرُ مَالًا، وَجَعْلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مَالًا مِنْ بَابِ النَّظَرِ، وَالثَّانِي: أَنَّ إيجَارَهُ فِي الصَّنَائِعِ مِنْ بَابِ التَّهْذِيبِ وَالتَّأْدِيبِ وَالرِّيَاضَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ فَيَمْلِكُهُ الْأَبُ، وَكَذَا وَصِيُّ الْأَبِ لِأَنَّهُ مَرْضِيُّ الْأَبِ، وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَوَصِيُّهُ لِأَنَّهُ مَرْضِيُّهُ، وَالْقَاضِي لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا، وَأَمِينُهُ لِأَنَّهُ مَرْضِيُّهُ، وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ غَيْرِ الْأَبِ، وَوَصِيِّهِ، وَالْجَدِّ، وَوَصِيِّهِ مِنْ سَائِرِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إذَا كَانَ لَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّغِيرِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَفِي نَفْسِهِ أَوْلَى، إلَّا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ إيَّاهُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهِ وَيُؤَدِّبُهُ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الصَّنَائِعِ نَوْعٌ مِنْ التَّأْدِيبِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَأْدِيبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي حِجْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَأَجَرَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ آخَرَ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الَّذِي هُوَ فِي حِجْرِهِ بِأَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِ عَمِّهِ وَلَهُ أُمٌّ فَأَجَّرَتْهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ إجَارَتُهَا إيَّاهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَجُوزُ،.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصَّبِيِّ أَصْلًا وَمَقْصُودًا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ الْإِجَارَةَ ضِمْنًا لِوِلَايَةِ التَّرْبِيَةِ وَأَنَّهَا تَثْبُتُ لِمَنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي حِجْرِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ إنَّ ذَا الرَّحِمِ إنَّمَا يَلِي عَلَيْهِ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْوِلَايَةِ بِسَبَبِ الرَّحِمِ فَمَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ فِي الرَّحِمِ كَانَ أَوْلَى كَالْأَبِ مَعَ الْجَدِّ، وَلِلَّذِي فِي حِجْرِهِ أَنْ يَقْبِضَ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأُجْرَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْعَاقِدُ فَكَانَ وِلَايَةُ الْقَبْضِ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَالُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَكَذَا إذَا وُهِبَ لَهُ هِبَةٌ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَهَا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْهِبَةِ مَنْفَعَةٌ مَحْضٌ لِلصَّغِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُ قَبْضَهَا بِنَفْسِهِ.

وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ، وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْإِجَارَةَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَاءِ الْعَقْدِ إضْرَارًا بِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ تَلْحَقُهُ الْأَنَفَةُ مِنْ خِدْمَةِ النَّاسِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ تَفَقَّهَ فَوَلِيَ الْقَضَاءَ أَكُنْت أَتْرُكُهُ يَخْدُمُ النَّاسَ وَقَدْ أَجَرَهُ أَبُوهُ هَذَا قَبِيحٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَإِذَا بَلَغَ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْأَبَ عَقَدَ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنَافِعِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالْإِجَارَةِ كَمَا إذَا عَقَدَ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا وَالْقَاضِي وَوَصِيُّهُ فِي إجَارَةِ عَبْدِ الصَّغِيرِ وَعَقَارِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالْبَيْعِ كَذَا بِالْإِجَارَةِ؛ وَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا خِيَارَ لَهُ بِخِلَافِ إجَارَةِ النَّفْسِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ وَمَنْ يَمْلِكُ إجَارَةَ مَالِ الصَّبِيِّ وَنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَنْ يُؤْجِرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً، وَلَوْ فَعَلَ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ فِي حَقِّهِ وَهَذِهِ وِلَايَةُ نَظَرٍ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الضَّرَرِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ أَنْ يُؤَاجِرَ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَبَيْعِ الْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ يُؤَاجِرُوا عَبْدَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ إجَارَةَ نَفْسِهِ فَإِجَارَةُ مَالِهِ أَوْلَى، وَكَذَا أَسْتَحْسِنُ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْيَتِيمَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُؤَاجِرُ عَبْدَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤَاجِرُ عَبْدَهُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ التَّصَرُّفَ فِيمَا يُخَافُ الضَّرَرُ بِتَأْخِيرِهِ، وَفِي تَرْكِ إجَارَةِ الصَّبِيِّ ضَرَرٌ مِنْهُ بِتَرْكِ تَأْدِيبِهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِ إجَارَةِ الْعَبْدِ، وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَصِيِّ نَفْسَهُ مِنْهُ لِلصَّبِيِّ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِهِ مِنْ الصَّبِيِّ أَصْلًا فَلَا يَمْلِكُ إجَارَةَ نَفْسِهِ مِنْهُ، أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ حَيْثُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِهِ مِنْهُ إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلصَّغِيرِ، وَلَا نَظَرَ لِلصَّغِيرِ فِي إجَارَةِ نَفْسِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَعْلَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مَالًا فَلَمْ يَجُزْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُضَارَبَةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لَا يُوجِبُ حَقًّا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ حَقًّا فِي الرِّبْحِ وَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَا يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ حَقًّا فِي مَالِ الصَّبِيِّ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا.

(وَأَمَّا) اسْتِئْجَارُ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>