يُسَافِرَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا يَلْبَسُ وَمَا يَطْبُخُ فِي الْقِدْرِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّابِسِ، وَالْقِدْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطْبُوخِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ لِيَصِيرَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا فَإِنْ اخْتَصَمَا حِينَ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ أَوْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ يَرْكَبَهَا أَوْ قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ أَوْ يَطْبُخَ فِي الْقِدْرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ فَاسِدًا، وَرَفْعُ الْفَسَادِ وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ، فَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَحَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَبِسَ الثَّوْبَ، وَطَبَخَ فِي الْقِدْرِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ مَا سُمِّيَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يُوجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُفْسِدَ جَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَدْ تَعَيَّنَ بِالزِّرَاعَةِ، وَالْحَمْلِ وَاللُّبْسِ وَالطَّبْخِ فَزَالَتْ الْجَهَالَةُ، فَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ فَيَجِبُ كَمَالُ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ كَانَ مُتَعَيَّنًا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ فَسَخَ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ ثُمَّ زَرَعَ أَوْ حَمَلَ أَوْ لَبِسَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا نَقَضَ الْعَقْدَ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ فَصَارَ مُسْتَعْمِلًا مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَصَارَ غَاصِبًا، وَالْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَمِنْهَا: بَيَانُ الْعَمَلِ فِي اسْتِئْجَارِ الصُّنَّاعِ وَالْعُمَّالِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْعَمَلِ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَعْمَالِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَفْسُدُ، الْعَقْدُ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ عَامِلًا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ الْعَمَلَ مِنْ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالرَّعْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ، وَكَذَا بَيَانُ الْمَعْمُولِ فِيهِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، إمَّا بِالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ، أَوْ بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي ثَوْبِ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَبَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فِي إجَارَةِ الرَّاعِي مِنْ الْخَيْلِ أَوْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ وَعَدَدِهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَعْمُولِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ حَفَّارًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْحَفْرِ وَعُمْقِ الْبِئْرِ وَعَرْضِهَا؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْحَفْرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عُمْقِ الْمَحْفُورِ وَعَرْضِهِ وَمَكَانِ الْحَفْرِ مِنْ الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ لِيَصِيرَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ؟ أَمَّا فِي اسْتِئْجَارِ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ فَيُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِدُونِهِ.
وَأَمَّا فِي اسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ الْمُشْتَرَكِ وَالْخَيَّاطِ الْمُشْتَرَكِ فَلَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ أَثْوَابًا مَعْلُومَةً لِيَخِيطَهَا أَوْ لِيُقَصِّرَهَا جَازَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِدُونِهِ.
وَأَمَّا فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ جِنْسِ الْمَعْمُولِ فِيهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ فَقَطْ وَبَيَانُ الْمُدَّةِ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ شَرْطُ جَوَازِهِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْخِدْمَةُ، فَمَا جَازَ فِيهِ جَازَ فِي الظِّئْرِ وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ لَمْ يَجُزْ فِيهَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ فِي الظِّئْرِ أَنْ تُسْتَأْجَرَ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا لِمَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبِيعَ لَهُ وَيَشْتَرِيَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ قَدْرِ مَنْفَعَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَوْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا لِيَبِيعَ لَهُ وَيَشْتَرِيَ جَازَ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَنْفَعَةِ صَارَ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ﵃ قَالَ: «كُنَّا نَبِيعُ فِي أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ وَنُسَمِّي أَنْفُسَنَا السَّمَاسِرَةَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَسَمَّانَا بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ فَقَالَ ﷺ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ بَيْعَكُمْ هَذَا يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْكَذِبُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» وَالسِّمْسَارُ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي لِغَيْرِهِ بِالْأُجْرَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً، وَكَذَا إذَا قَالَ: بِعْ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَلَكَ دِرْهَمٌ وَبَيَّنَ الْمُدَّةَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، قَالَ الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْقَاضِي رَجُلًا مُشَاهَرَةً عَلَى أَنْ يَضْرِبَ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَرَةٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُشَاهَرَةً كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِيهَا بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ بَقِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْحُدُودِ الَّتِي سَمَّاهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَكَذَا مَحَلُّ الْإِقَامَةِ مَجْهُولٌ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ رَجُلًا لِيَقْتُلَ الْمُرْتَدِّينَ وَالْأُسَارَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَطْعِ الْيَدِ جَازَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدِي، وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِيهِمَا.
هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: " أَصْحَابِنَا " أَبَا يُوسُفَ وَأَبَا حَنِيفَةَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَمَحَلُّهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْعُنُقُ إذْ لَا يُبَاحُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَطْعِ الْيَدِ وَذَبْحِ الشَّاةِ، وَلَهُمَا أَنَّ مَحَلَّهُ مِنْ الْعُنُقِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute