للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَفْسُدُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، وَوَجْهُهَا أَنَّ عَدَمَ الشُّيُوعِ عِنْدَهُ شَرْطُ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُشْتَرَطُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ كَالْخُلُوِّ عَنْ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ وَلَا تَمْنَعُ الْبَقَاءَ كَذَا هَذَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا لِرَجُلٍ فَأَجَرَ نِصْفَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبُهُ مِنْ رَجُلٍ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ إنَّمَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَجَرَ الرَّجُلُ بَعْضَ مِلْكِهِ فَأَمَّا إذَا أَجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى تَقَعُ الْمُهَايَأَةُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَبَيْنَ الْمُؤَاجِرِ مُدَّةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمُؤَاجِرُ الْأَجْرَ مَعَ كَوْنِ الدَّارِ فِي يَدِهِ وَالْمُهَايَأَةُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا تَقَعُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُؤَاجِرِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ وَأُجْرَتُهَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَعَارَهَا ثُمَّ أَجَرَهَا وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَانِعِ يَعُمُّ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ الْمَانِعَ ثَمَّةَ خَصَّ الْمُحْتَمِلَ لِلْقِسْمَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَلَوْ آجَرَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَقُسِّمَ وَسَلِمَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجِذْعَ فِي السَّقْفِ ثُمَّ نَزَعَ وَسَلِمَ وَكَمَا لَوْ وَهَبَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ قُسِمَ وَسَلِمَ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَأَبْطَلَ الْحَاكِمُ الْإِجَارَةَ ثُمَّ قُسِمَ وَسَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ بِإِبْطَالِ الْحَاكِمِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الِاثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَدْخُلُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ وَيَسْتَوْفِيهَا مِنْ غَيْرِ مُهَايَأَةٍ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَاجِرَيْنِ حَتَّى انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّتِهِ لَا تُنْقَضُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ وَإِنْ صَارَتْ مُشَاعَةً، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشُّيُوعِ الطَّارِئِ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا يَجُوزُ رَهْنُ الِاثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ وَهِبَةُ الِاثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ عِنْدَ الْقَبْضِ، وَكَذَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَاحِدِ مِنْ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْآجِرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ شِيَاعٍ ثُمَّ ثَبَتَ الشِّيَاعُ لِضَرُورَةِ تَفَرُّقِ مِلْكَيْهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ قِسْمَةَ الْمَنْفَعَةِ بِالتَّهَايُؤِ فَيَنْعَدِمُ الشُّيُوعُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجِرِينَ حَتَّى اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّتِهِ بَقِيَتْ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ كَمَا كَانَتْ، وَيَجُوزُ رَهْنُ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ فَجَمِيعُ الرَّهْنِ يَكُونُ وَثِيقَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِينَ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الرَّهْنِ.

وَأَمَّا هِبَةُ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي بَابِ الْهِبَةِ يَقَعُ بِالْقَبْضِ وَالشُّيُوعُ ثَابِتٌ عِنْدَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْقَبْضِ فَيَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْمِلْكِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِلْآجِرِ أَوْ شَجَرٌ أَوْ قَصَبٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يَمْنَعُ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَالِ الْمُؤَاجِرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهُ فَلَا يَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ شَرْعًا فَلَمْ تَجُزْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى جِذْعًا فِي سَقْفٍ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا رُطَبَةٌ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ قَلْعُ الرُّطَبَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِضْرَارِ بِنَفْسِهِ فَلَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَقْدُورَةَ الِاسْتِيفَاءِ شَرْعًا فَلَمْ تَجُزْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى جِذْعًا فِي سَقْفٍ فَإِنْ قَلَعَ رَبُّ الْأَرْضِ الرُّطَبَةَ فَقَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: اقْبِضْ الْأَرْضَ فَقَبَضَهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ فَصَارَ كَشِرَاءِ الْجِذْعِ فِي السَّقْفِ إذَا نَزَعَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَ الْحَاكِمُ الْإِجَارَةَ ثُمَّ قَلَعَ الرُّطَبَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ بَطَلَ بِإِبْطَالِ الْحَاكِمِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ فَإِنْ مَضَى مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا ثُمَّ قَلَعَ الرُّطَبَةَ فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبَضَهَا عَلَى تِلْكَ الْإِجَارَةِ وَطَرَحَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبِضْ فَرْقًا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الدَّارِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُؤَاجِرُ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَكُونُ لَهُ خِيَار التَّرْك، وَوَجْه الْفَرْقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إجَارَةِ الْأَرْضِ الزِّرَاعَةُ، وَالزِّرَاعَةُ لَا تُمْكِنُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بَلْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَتَخْتَلِفُ بِالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ فَالْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا يَقِفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَكُونُ الْكُلُّ كَمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا مَضَى بَعْضُهَا فَقَدْ تُغَيَّرُ عَلَيْهِ صِفَةُ الْعَقْدِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْقُودِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بِخِلَافِ إجَارَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا السُّكْنَى وَسُكْنَى كُلِّ يَوْمٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِيَوْمٍ آخَرَ فَلَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُدَّةِ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ فَلَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَاقِي فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَلَوْ اشْتَرَى أَطْرَافَ رُطَبَةٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ لِتَبْقِيَةِ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ

<<  <  ج: ص:  >  >>