للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرُّطَبَةِ مِلْكُ الْمُؤَاجِرِ فَكَانَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِمِلْكِ الْمُؤَاجِرِ وَاسْتِئْجَارُ بُقْعَةٍ مَشْغُولَةٍ بِمَالِ الْمُؤَاجِرِ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مَشْغُولَةً بِمِلْكِهِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ فَيَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَاسْتِئْجَارِ أَرْضٍ فِيهَا زَرْعُ الْمُؤَاجِرِ وَلَوْ اشْتَرَى الرُّطَبَةَ بِأَصْلِهَا لِيَقْلَعَهَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِتَبْقِيَتِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هَهُنَا مَشْغُولَةٌ بِمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَذَا لَا يَمْنَعُ الْإِجَارَةَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَا هُوَ فِي يَدِهِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً فِيهَا ثَمَرٌ بِثَمَرِهَا عَلَى أَنْ يَقْلَعَهَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ فَبَقَّاهَا فِيهَا جَازَ لِمَا قُلْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنْ اسْتَعَارَ الْأَرْضَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِالْإِعَارَةِ أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ فَيَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ اسْتِئْجَارِ الْفَحْلِ لِلْإِنْزَاءِ وَاسْتِئْجَارِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْبَازِي الْمُعَلَّمِ لِلِاصْطِيَادِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْهُ غَيْرُ مَقْدُورَةِ الِاسْتِيفَاءِ إذْ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْفَحْلِ عَلَى الضِّرَابِ وَالْإِنْزَالِ وَلَا إجْبَارُ الْكَلْبِ وَالْبَازِي عَلَى الصَّيْدِ فَلَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي هِيَ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا مَقْدُورَةَ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ تَجُزْ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ اسْتِئْجَارُ الْإِنْسَانِ لِلْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ لَا يَتِمُّ بِوَاحِدٍ بَلْ بِالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَقْدِرُ الْأَجِيرُ عَلَى إيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ خَشَبَةً بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهَا بِنَفْسِهِ وَلَوْ ضَرَبَ لِذَلِكَ مُدَّةً بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا لِيَبِيعَ لَهُ وَيَشْتَرِيَ جَازَ لِمَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالصَّنَائِعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَاءِ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ شِئْتَ أَفْرَدْت لِجِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ شَرْطًا فَقُلْت وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ الْمُسْتَأْجَرُ لَهُ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْعَامِلِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ وَخُرِّجَتْ الْمَسَائِلُ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصِّنَاعَةِ فَافْهَمْ.

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْمَعَاصِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَقْدُورَةِ الِاسْتِيفَاءِ شَرْعًا كَاسْتِئْجَارِ الْإِنْسَانِ لِلَّعِبِ وَاللَّهْوِ، وَكَاسْتِئْجَارِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالنَّائِحَةِ لِلْغِنَاءِ، وَالنَّوْحِ بِخِلَافِ الِاسْتِئْجَارِ لِكِتَابَةِ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ أَنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْهُ نَفْسُ الْغِنَاءِ، وَالنَّوْحِ لَا كِتَابَتُهُمَا وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْتُلَ لَهُ رَجُلًا أَوْ لِيَسْجُنَهُ أَوْ لِيَضْرِبَهُ ظُلْمًا وَكَذَا كُلُّ إجَارَةٍ وَقَعَتْ لِمَظْلَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ شَرْعًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَقٍّ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِقَطْعِ عُضْوٍ جَازَ.

لِأَنَّهُ مَقْدُورُ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ السِّكِّينَ عَلَيْهِ فَيَقْطَعَهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِقِصَاصٍ فِي النَّفْسِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَتَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ هُوَ حَزُّ الرَّقَبَةِ وَالرَّقَبَةُ مَعْلُومَةٌ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِئْجَارَ لِذَبْحِ الشَّاةِ وَقَطْعِ الْيَدِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْقَتْلَ بِضَرْبِ الْعُنُقِ يَقَعُ عَلَى سَبِيلِ التَّجَافِي عَنْ الْمَضْرُوبِ فَرُبَّمَا يُصِيبُ الْعُنُقَ وَرُبَّمَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ أَصَابَ كَانَ مَشْرُوعًا وَإِنْ عَدَلَ كَانَ مَحْظُورًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُثْلَةً وَإِنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بِخِلَافِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَشْقِيقِ الْحَطَبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى سَبِيلِ التَّجَافِي فَكُلُّهُ مُبَاحٌ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَطْعُ وَالذَّبْحُ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَقَعُ بِوَضْعِ السِّكِّينِ عَلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْيَدِ وَهُوَ الْمِفْصَلُ وَإِمْرَارِهِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الذَّبْحُ فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ بِيعَةً لِيُصَلِّيَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الذِّمِّيِّ دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جَمَاعَةٍ أَوْ يَتَّخِذَهَا مُصَلًّى لِلْعَامَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا لِيَخْدُمَهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ خِدْمَةَ الذِّمِّيِّ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ اسْتِذْلَالٌ فَكَأَنَّ إجَارَةَ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنْهُ إذْلَالًا لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ خُصُوصًا بِخِدْمَةِ الْكَافِرِ.

وَأَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ امْرَأَةً حُرَّةً يَسْتَخْدِمُهَا وَيَخْلُو بِهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا الْخَلْوَةُ فَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعْصِيَةٌ.

وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَالْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِنَقْلِ الْمَيْتَاتِ وَالْجِيَفِ وَالنَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ

رَفْعَ أَذِيَّتِهَا

عَنْ النَّاسِ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ لَتَضَرَّرَ بِهَا النَّاسُ وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأُجْرَةِ الْكَنَّاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>