الْمَيِّتِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَيَجُوزُ عَلَى حَفْرِ الْقُبُورِ.
وَأَمَّا عَلَى حَمْلِ الْجِنَازَةِ فَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يُوجَدُ غَيْرُهُمْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَيْهِمْ وَاجِبٌ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ لِيَخْدُمَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْأَبِ الْحُرِّ وَاجِبَةٌ عَلَى الِابْنِ الْحُرِّ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ عَبْدًا وَالْأَبُ حُرًّا فَاسْتَأْجَرَ ابْنَهُ مِنْ مَوْلَاهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَبْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ الْأَبِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الِابْنُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ خِدْمَةُ أَبِيهِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَتَهُ لِتَخْدُمَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْبَيْتِ عَلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «قَسَّمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ ﵄ فَجَعَلَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ عَلَى فَاطِمَةَ ﵂ وَمَا كَانَ خَارِجَ الْبَيْتِ عَلَى عَلِيٍّ ﵁» فَكَانَ هَذَا اسْتِئْجَارًا عَلَى عَمَلٍ وَاجِبٍ فَلَمْ يَجُزْ وَلِأَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى عَمَلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْأَجِيرُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْجَارٌ عَلَى خِدْمَةِ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى أَمْرٍ عَلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الزَّوْجَةَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَتَيْنِ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَاسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْهُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ جَازَ كَذَا رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ نَفَقَتَيْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِوَلَدِهِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ اللَّاتِي لَهُنَّ حَضَانَتُهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ خِدْمَةُ الْبَيْتِ وَلَا نَفَقَةَ لَهُنَّ عَلَى أَبُ الْوَلَدِ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا خِدْمَةُ وَلَدِ غَيْرِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ خَادِمَ أُمِّهِ فَخَادِمُهَا بِمَنْزِلَتِهَا فَمَا جَازَ فِيهَا جَازَ فِي خَادِمِهَا وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا لَمْ يَجُزْ فِي خَادِمِهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِمَنْفَعَةِ خَادِمِهَا فَصَارَ كَنَفَقَتِهَا وَكَذَا مُدَبَّرَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبَتَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنَافِعَ الْمُكَاتَبَةِ فَكَانَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لِيَخْدُمَهَا فِي الْبَيْتِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْبَيْتِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الزَّوْجِ فَكَانَ هَذَا اسْتِئْجَارًا عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ وَاجِبٍ عَلَى الْأَجِيرِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَتْهُ لِرَعْيِ غَنَمِهَا؛ لِأَنَّ رَعْيَ الْغَنَمِ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ شِئْت عَبَّرْت عَنْ هَذَا الشَّرْطِ فَقُلْت: وَمِنْهَا أَنْ لَا يَنْتَفِعَ الْأَجِيرُ بِعَمَلِهِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الثَّوَابَ عَلَى الطَّاعَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْإِفْضَالِ لَا الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِيمَا يَعْمَلُهُ مِنْ الْقُرُبَاتِ، وَالطَّاعَاتِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَالَ ﷾ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ [فصلت: ٤٦] وَمَنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ وَعَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَيْضًا يُخَرَّجُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً أَوْ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ مَوْعُودٌ لِلْمُطِيعِ عَلَى الطَّاعَةِ فَيَنْتَفِعُ الْأَجِيرُ بِعَمَلِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَطْحَنَ لَهُ قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ بِرُبُعٍ مِنْ دَقِيقِهَا أَوْ لِيَعْصِرَ لَهُ قَفِيزًا مِنْ سِمْسِمٍ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ دُهْنِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ يَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ مِنْ الطَّحْنِ وَالْعَصْرِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» وَلَوْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَائِكَ يَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ وَهُوَ الْحِيَاكَةُ وَكَذَا هُوَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ فَكَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ مَنْهِيًّا وَإِذَا حَاكَهُ فَلِلْحَائِكِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ لِاسْتِيفَائِهِ الْمَنْفَعَةَ بِأُجْرَةٍ فَاسِدَةٍ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا بِبَلْخٍ جَوَّزَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَنَصْرُ بْنُ يَحْيَى.
وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مَقْصُودَةً يُعْتَادُ اسْتِيفَاؤُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَيَجْرِي بِهَا التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ شُرِعَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لِلنَّاسِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا وَالِاسْتِظْلَالِ بِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ الشَّجَرِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَةَ لِتَبْقِيَةِ ذَلِكَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ مِنْ الشَّجَرِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ تَبْقِيَةُ الثَّمَرِ عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً عَادَةً وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ الشَّجَرِ يَصِيرُ مُسْتَأْجَرًا بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّجَرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا اسْتَأْجَرَ ثِيَابًا لِيَبْسُطَهَا بِبَيْتٍ لِيُزَيِّنَ بِهَا وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ بَسْطَ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute