لَيْسَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً عَادَةً وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَجْنُبَهَا يَتَزَيَّنُ بِهَا: فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْدَ الدَّابَّةِ لِلتَّزَيُّنِ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِيُزَيَّنَ الْحَانُوتُ، وَلَا اسْتِئْجَارُ الْمِسْكِ، وَالْعُودِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَشْمُومَاتِ لِلشَّمِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُعْتَادُ اسْتِيفَاؤُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضَ الْمُؤَاجِرِ إذَا كَانَ مَنْقُولًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضِهِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» وَالْإِجَارَةُ نَوْعُ بَيْعٍ فَتَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ أَنَّهَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا تَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ فِي الْإِجَارَةِ لَا تَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَا يُقَابِلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ وَالْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَاتِ مُعْتَبَرَةٌ بِالثَّمَنِ فِي الْبِيَاعَاتِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَمَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبِيَاعَاتِ يَصْلُحُ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَاتِ وَمَا لَا فَلَا وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْلُومًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
وَالْأَصْلُ فِي شَرْطِ الْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَالْعِلْمُ بِالْأُجْرَةِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ أَوْ بِالْبَيَانِ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْأَجْرَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَإِمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَوْ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ تَعْيِينُهَا كِنَايَةً عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالنَّوْعِ، وَالْقَدْرِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ؛ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ كَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَالثَّبَاتُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ إلَّا أَنَّ فِي الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا نَقْدٌ وَاحِدٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى ذِكْرِ النَّوْعِ، وَالْوَزْنِ وَيُكْتَفَى بِذِكْرِ الْجِنْسِ وَيَقَعُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، وَوَزْنِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ يَقَعُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ غَالِبَةٌ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَسَدَ الْعَقْدُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلْإِيفَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ؟ فَفِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلًا بِطَرِيقِ السَّلَمِ تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا لَا بِطَرِيقِ السَّلَمِ بَلْ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ فَكَانَ لِثُبُوتِهَا أَجَلَانِ فَإِنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ جَازَ وَثَبَتَ الْأَجَلُ كَالسَّلَمِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ جَازَ كَالْقَرْضِ.
وَأَمَّا فِي الثِّيَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا مُؤَجَّلًا فَكَانَ لِثُبُوتِهَا أَجْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ السَّلَمُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْأَجَلِ كَالسَّلَمِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطَلَّقَاتِ كَالْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبِيَاعَاتِ فَلَا يَصْلُحُ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَاتِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ فِي الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ حُكْمُ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ دَيْنًا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِأَنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا التَّعْجِيلُ فَحُكْمُ التَّصَرُّفِ فِيهَا نَذْكُرُهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ﷿ وَمَا كَانَ مِنْهَا عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثَّمَنِ إذَا كَانَ عَيْنًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَنْقُولًا لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ عَقَارًا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَبِطَعَامِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَبِعَلْفِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَوْ الْعَلَفَ يَصِيرُ أُجْرَةً وَهُوَ مَجْهُولٌ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً وَالْقِيَاسُ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ وَهِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ الْجَوَازَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷿ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute