الْوَالِدَةُ مَنْكُوحَةً أَوْ مُطَلَّقَةً وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] أَيْ: الرِّزْقُ وَالْكِسْوَةُ وَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلُودِ، وقَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] نَفَى اللَّهُ ﷾ الْجُنَاحَ عَنْ الِاسْتِرْضَاعِ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُمَا: الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةٌ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ لِعَيْنِهَا بَلْ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ وَجَهَالَةُ الْأُجْرَةِ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ مَعَ الْأَظْآرِ، وَالتَّوْسِيعُ عَلَيْهِنَّ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ فَأَشْبَهَتْ جَهَالَةَ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَشَرَطَ الْآجِرُ تَطْيِينَ الدَّارِ وَمَرَمَّتَهَا أَوْ تَعْلِيقَ بَابٍ عَلَيْهَا أَوْ إدْخَالَ جِذْعٍ فِي سَقْفِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ يَصِيرُ أُجْرَةً وَهُوَ مَجْهُولٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً وَكَذَا إذَا آجَرَ أَرْضًا وَشَرَطَ كَرْيَ نَهْرِهَا أَوْ حَفْرَ بِئْرِهَا أَوْ ضَرْبَ مُسَنَّاةٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ فَإِذَا شُرِطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ جَعَلَهُ أُجْرَةً وَهُوَ مَجْهُولٌ فَصَارَتْ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَنْفَعَةً هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى، وَالْخِدْمَةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ بِالزِّرَاعَةِ حَتَّى لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ جَازَ كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالْخِدْمَةِ وَالْخِدْمَةِ بِالرُّكُوبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِيهِ فَرْعٌ فِي كَيْفِيَّةِ انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ فَعِنْدَنَا يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ مُعَيَّنَةً بَلْ هِيَ مَعْدُومَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَتَأَخَّرُ قَبْضُ أَحَدِ الْمُسْتَأْجِرِينَ فَيَتَحَقَّقُ رِبَا النَّسَاءِ، وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا كَإِسْلَامِ الْهَرَوِيِّ فِي الْهَرَوِيِّ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِيمَا حُكِيَ أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ كَتَبَ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ: إنَّك أَطَلْتَ الْفِكْرَةَ فَأَصَابَتْكَ الْحَيْرَةُ وَجَالَسْتَ الْجُبَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةً أَمَا عَلِمْت أَنَّ بَيْعَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي جِنْسَيْنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: مَنَافِعُ الْمُدَّةِ تُجْعَلُ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ كَأَنَّهَا أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى النِّسْبَةِ وَلَوْ تَحَقَّقَ فَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يَحْرُمُ النَّسَاءُ عِنْدَهُ وَتَعْلِيلُ مَنْ عَلَّلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَتَيْنِ مَعْدُومَتَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَكَانَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ غَيْرَ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ اسْمٌ لِمَوْجُودٍ فِي الذِّمَّةِ أُخِّرَ بِالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ بِتَغْيِيرِ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ فَأَمَّا مَا لَا وُجُودَ لَهُ وَتَأَخَّرَ وُجُودُهُ إلَى وَقْتٍ فَلَا يُسَمَّى دَيْنًا وَحَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ هِيَ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ شُرِعَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَلَا حَاجَةَ تَقَعُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالْحَاجَةُ تَتَحَقَّقُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجُوزُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا يَخْدُمُهُ شَهْرًا بِخِدْمَةِ أَمَةٍ كَانَ فَاسِدًا لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ثُمَّ فِي إجَارَةِ الْخِدْمَةِ بِالْخِدْمَةِ إذَا خَدَمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَخْدُمْ الْآخَرُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ الْمَنْفَعَةَ بِجِنْسِهَا وَلَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ فَقَدْ جَعَلَ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَكَانَ رَاضِيًا بِبَذْلِ الْمَنْفَعَةِ بِلَا بَدَلٍ، وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَالْمَنَافِعُ تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ لِمَا نَذْكُرُ تَحْقِيقَهُ أَنَّهَا تُقَوَّمُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ بَدَلٌ رَأْسًا بِأَنْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا وَلَمْ يُسَمِّ عِوَضًا أَصْلًا فَإِذَا سَمَّى الْعِوَضَ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ أَوْلَى وَقَالُوا فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ تَهَايَأَ الشَّرِيكَانِ فِيهِ فَخَدَمَ أَحَدَهُمَا يَوْمًا وَلَمْ يَخْدُمْ الْآخَرَ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ بَلْ هُوَ إفْرَازٌ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدَيْنِ لِعَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْخِيَاطَةِ، وَالصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ قَدْ اخْتَلَفَ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي الْجَامِعِ إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ يَخِيطُ مَعَهُ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَصُوغَ نَصِيبَهُ مَعَهُ فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَمَلُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْعَمَلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إذَا كَانَا فِي عَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُهَايَأَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا مَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ وَالْمُهَايَأَةُ مِنْ شَرْطِ جَوَازِهَا أَنْ تَقَعَ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمُطْلَقَةِ فَأَمَّا أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى رُكْنِ الْعَقْدِ فَخُلُوُّهُ عَنْ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ حَتَّى لَوْ أَجَرَهُ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا شَهْرًا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute